فاتح عبدالسلام

كأن شيئاً لا يحدث في العراق ، وكأن واشنطن بوست لم تقل أمس أن الأنبار أكبر محافظة عراقية في المساحة والأحدث سوف تسقط قريباً، وكأن الموصل أكبر المدن العراقية نفوساً لم تتحول الى مدينة رئيسية في دولة أخرى لها قوانين وزعامات وضرائب واقتصاد مختلف تماماً، وكأن مصفاة بيجي لم تخرج من الخدمة الانتاجية ومرجح ان يذهب انتاجها الى دولة اخرى في أي ساعة. كأن ذلك كله وسواه الكثير الكثير لم يحدث ، فتذهب الأنظار المحلية والدولية الى مدينة سورية صابرة مضحية منكوبة هي عين العرب ـ كوباني نزح أهلها الى تركيا وبقي فيها مقاتلون أكراد من سوريا و تركيا قرروا الدفاع عنها حتى الموت. لا تتجه الانظار اليها من أجل انقاذها والخروج بنصر واحد ضد الارهاب لكن من أجل إحصاء أنفاسها الملفوظة نفساً نفساً.


ويبدأ المشهد السياسي والاعلامي الدولي يتلذذ بجرد الساعات بل الدقائق وهو يرقب سقوط هذه المدينة التي كأنها باتت الحلقة الواصلة بين النصر والهزيمة، بين الحرب العالمية والثانية والثالثة ،بين أن تشترك تركيا في الحرب ضد تنظيم الدولة أو تشترك معه ضد التحالف .


ثمة عجز كبير في معالجات عسكرية وميدانية لا تعد ولاتحصى في العراق خاصة فنرى جميع المسؤولين يتجهون الى جزء من المشهد الدموي متناسين عموم المشهد الذي يعني عموم العراق وسوريا معاً.


واشنطن تقول ان ثلث كوباني سقط ثم تقول ان سقوط كل كوباني ليس أمراً استراتيجياً ، وتنظيم داعش لا يحتاج أكثر من أن يستغرق أعداؤه في تفسيرات نظرية معتمة وغامضة حتى على أصحابها.
كوباني انتهت ماذا بعدها؟ ابحثوا لكم عن مبكى جديد.


أحياناً تبدو الادارة الامريكية وقيادتها العسكرية متفاجئة من خبر لمعركة مدينة هنا أو هناك ونرى الاعلام يسحبها الى التصريح عنوة.


هل هذا هو الوضع حقيقة أم أن الحرب التي لم تعد خدعة عند تحديد التحالف الدولي مواعيد مسبقة تقريبية لزج طائرات جديدة والاشتراك في الضربات هي حرب بمواصفات القرن الجديد حقاً بحيث استعصى فهمها على جميع المحللين والمراقبين . ليس مطلوباً من التحالف الدولي اعلان تفاصيل خطة حربه لكن عليه ان يتذكر أن الزمن لا يسير لصالحه هذه المرة أو بالأحرى ليس في صالح ملايين المشردين واللاجئين والخائفين والمصابين والمرعوبين ، بلا شك أن هناك فرقاً في ذلك .