يوسف الكويليت

قمة الدوحة تنعقد في ظروف ملائمة لإجراء مراجعات لحصاد خمسة وثلاثين عاماً أي ما يزيد على ثلث قرن منذ إنشاء المجلس الذي شهد صراعاً وحروباً عربية وخليجية وإيرانية تجاور حدود دوله، وفي هذه الأجواء وبعد الخلافات ثم المصالحات بين الدول الأعضاء هل نأمل أن نشهد نقلة جديدة تقدم عهداً يتصف بالمكاشفة والوقوف على السلبيات والإيجابيات بشعور أننا في القارب الواحد، أم أن الأمور قد تعود لسابق عهدها كما يطرح المتشائمون حتى من أبناء الخليج العربي؟

تجارب الدول العربية منذ إنشاء جامعتهم مروراً بالذهاب شرقاً وغرباً، ثم التحرك باتجاه خلق تكتل دول عدم الانحياز، والاتحاد الآسيوي - الأفريقي، وشعارات الوحدة والاتحاد والتضامن إلى آخر تلك السلسلة من التجارب أعطت من يستفيد منها أن تلك المراحل عاشت زخم التباشير لعالم يكون فيه العرب أصحاب دور وريادة، غير أن الزمن كشف عن هلامية الفكرة وصورتها، لأننا لم نبلور اتجاهاً لنا يجمعنا كأمة لها ثقلها السياسي والاقتصادي حتى ندخل تلك الأندية بوجود مميز، وقائمة بحاجات تؤهلنا لتلك الأدوار..

مجلس التعاون الخليجي تأسس نتيجة عدة ظروف عربية وإقليمية، وكانت الأهداف كبيرة ربما تجاوزت حدود إمكانات الدول، لكنها بدايات رآها البعض مبشرة بولادة كيان له قابلية البقاء، وآخرون اعتبروه مجرد تكرار لتجارب عربية لم توفق بالنجاح، وغيرهم من خارج المجلس اعتبروه مجرد تكتل برغبة تحقيق مصالح أجنبية، وفي كل الأحوال فقد استطاع أن يصمد رغم الزوابع من داخله وخارجه، ولكنه لم يصل سقف التوقعات في رسم خطط ترتفع لمستوى العمل في مواجهة الأحداث بروح الكتلة الواحدة؛ ولذلك دخل اختباراً صعباً مع حربيْ إيران واحتلال الكويت، وواجه أزمات اليمن، ثم مع الربيع العربي حدثت الانشقاقات التي كادت أن تعصف به، وكان الاختبار الآخر الانتقال من مشروع المجلس إلى الاتحاد، وهو ما كشف عما خلف السواتر النفسية من انقسامات عرّضته لانسحاب بعض أعضائه، وكأنه مشروع لتحالف مع قوى ضد أخرى، مع أن المفهوم واحد إذا ما تقرر خلق تعاون في ظل المجلس أو الاتحاد، فهو تغيير في المسميات ولا يمس الجوهر الفعلي لنشأته وحتى ظروفه الراهنة..

القمة اليوم أمام اختبار حقيقي، فإما الاستعداد لمواجهة الخصومات الداخلية وتجاوزها بعقد ملزم، ثم الالتفات لما هو أخطر، الإرهاب ونوازعه والتوحد في مكافحته ثم مشكلات اليمن وتداعياتها على أمن الخليج ونحن نشهد تحالفات الحوثيين مع إيران التي بدورها لا تريد أن تتخلى عن سياساتها وأطماعها في معظم الدول العربية وعلى بندها الأول الخليج العربي، ثم قضايا نزول أسعار النفط، والمصاعب القادمة ليس في تدني العوائد وإنما ما سمي بحروب الأسعار والإنتاج مع دول كبرى ومنتجة أخرى.. لا نشك بالنوايا، ولكنها لا تبني عملاً يصمد أمام مستجدات الأحداث إلاّ بقناعات تامة تؤدي بالثقة للاستمرار في التعاون وتوحيد السياسات الأمنية بالتحرر من المخاوف من بعض الدول الأعضاء، ثم إنشاء جيش خليجي يعتمد على الإمكانات الذاتية، ومعه مجلس أمن ينسق خطوات متطورة، ومن ثم التوجه إلى تحقيق مسار اقتصادي يراعي كل الفروقات والظروف ولكنه يتجه إلى تكامل بين جميع القطاعات، وهي ليست أماني مستحيلة أو غير قابلة للتنفيذ، بل القضية معلقة على تجاوز الحساسيات وإدراك أن سيادة ونظام كل بلد يبقى أساسياً لا يحق لأي دولة عضو التدخل في شؤونه الداخلية، وهو إدراك إذا عملنا بظله أخذنا العلامات الكاملة، وإلا فالبديل سيكون الأسوأ.
&