بغداد - «الشرق الأوسط»: رغم أنه واحد من أربعة نواب أجلت المحكمة الاتحادية المصادقة على نتائجهم بسبب وجود ملفات وقيود جنائية ضدهم فإن سليم الجبوري الذي ظل على مدار الدورة البرلمانية الماضية يعاني على مدى أربع سنوات من عقدة الإرهاب، تمكن وفي غضون أربعة أيام من نهاية الحصانة النيابية من تفنيد نحو تسع مذكرات اعتقال بحقه بموجب المادة «4 إرهاب».
&
الجبوري المولود في قضاء المقدادية في محافظة ديالى (60 كم شمال شرقي بغداد) عام 1971 والذي يحمل شهادة الدكتوراه في القانون وجد نفسه وفي ظل أخطر أزمة سياسية وأمنية عراقية المرشح الأوفر حظا لرئاسة البرلمان العراقي المنقسم على نفسه لكون المنصب في النهاية من حصة المكون السني الذي ينتمي إليه الجبوري. الأصوات التي كانت ترتفع دائما وطوال السنوات الأربع الماضية من قبل أعضاء في ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي باتهام الجبوري بالإرهاب وضرورة رفع الحصانة عنه وتقديمه للمحاكمة لم تمنعه من الاستمرار في ممارسة عمله كنائب عن محافظة ساخنة وكرئيس جريء للجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي.
&
الجبوري لم يكن يرد كثيرا على هذه التهم بينما كان الكثيرون يتهمون الرئيس السابق للبرلمان أسامة النجيفي بعدم تحريك مذكرات إلقاء القبض الصادرة بحق الجبوري وعدد آخر من النواب وغالبيتهم من العرب السنة.
&
انتظر سليم الجبوري دورة برلمانية كاملة وهو يتعايش مع نواب يرى الكثير منهم أنه «إرهابي» بامتياز. لكنه وبعد يوم واحد من نهاية الدورة البرلمانية في السادس عشر من يونيو (حزيران) عام 2014 حيث رفعت الحصانة تلقائيا عن كل النواب وبات الطريق سالكا أمام الأجهزة الأمنية لتنفيذ مذكرات القبض بحقهم، سارع الجبوري إلى تسليم نفسه إلى مجلس القضاء الأعلى الذي لم يتمكن في النهاية من إثبات أي من التهم بحقه. وما إن تسلم الجبوري صك البراءة حتى وجد نفسه النائب السني الأكثر مقبولية ليكون رئيسا للبرلمان بعد إصرار ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي على عدم قبول النجيفي لولاية ثانية.
&
مفتاح قبول الجبوري لرئاسة البرلمان من قبل قوى كثيرة داخل الائتلاف الشيعي الحاكم كان المؤتمر الصحافي الشهير الذي ظهر فيه الجبوري مع عدد من القيادات السنية وأعلن خلاله عن تجمع سني برلماني جديد باسم (اتحاد القوى الوطنية). بدا الجبوري في ذلك المؤتمر كأنه مؤيد للولاية الثالثة للمالكي، لا سيما أن الجبوري أعلن خلال المؤتمر أنه يؤيد أي مرشح للتحالف الوطني لرئاسة الوزراء ولم يستثن المالكي.
&
وبما أن مؤتمر الجبوري الصحافي بدا كأنه انشقاق جديد في البيت السني وخروج على الزعامة الرمزية لهذا البيت التي بدت محسومة لأسامة النجيفي بعد مطاردة طارق الهاشمي بتهم الإرهاب وصدور أحكام إعدام غيابية ضده وتراجع دور صالح المطلك فإنه، طبقا لما أفاد به مصدر سياسي مسؤول «الشرق الأوسط» ضغط الأتراك «مثلهم في اللحظات الحاسمة مثل الإيرانيين في الضغط على جماعتهم بطريقة تتعدى الأطر السياسية الضيقة إلى ما يرتفع إلى مستوى أعلى بكثير وهو حماية الطائفة من الانشقاقات والمشاكل وبادروا وبسرعة إلى لملمة البيت السني بعد بروز بوادر انشقاق واضحة».
&
ويضيف السياسي المطلع «ومثلما يقوم قاسم سليماني الإيراني بأدوار التقريب القسري للمواقف داخل البيت الشيعي فإن أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية التركي، يقوم بدور من يحدد اتجاهات بوصلة السفينة السنية حتى لا تغرق في بحر الخلافات البينية». ويضيف السياسي المطلع «ومن أجل وضع حد للخلافات داخل البيت السني فقد وجه أوغلو دعوة لكل من أسامة النجيفي، زعيم كتلة (متحدون) وإياد السامرائي، زعيم الحزب الإسلامي العراقي الذي ينتمي إليه سليم الجبوري، وجرت تسوية خلافاتهما بحيث عادت المياه إلى مجاريها» مشيرا إلى أن «الأتراك نصحوا النجيفي بعدم الترشح لمنصب رئاسة البرلمان وإتاحة الفرصة للجبوري الذي بات مقبولا من القوى الشيعية لهذا المنصب فضلا عن أن الجبوري الإخواني قريب من تركيا أيضا شأنه في ذلك شأن النجيفي وإن كان الحزب الإسلامي العراقي خرج منذ سنوات من التنظيم العالمي لـ(الإخوان المسلمين)».
&
على إثر ذلك عاد «تحالف القوى الوطنية» أكثر انسجاما وبدا سليم الجبوري هو «الأوفر حظا» في الترشيح لمنصب رئاسة البرلمان طبقا لما أفاد به لـ«الشرق الأوسط» النائب في البرلمان عن كتلة «متحدون» ظافر العاني والذي كان أحد أربعة مرشحين لرئاسة البرلمان مع الجبوري. ويقول العاني إن الجبوري «كان الأوفر حظا بيننا بسبب التوافقات داخل البيت السني وبدا الأكثر مقبولية من بين الجميع بالنسبة للشركاء».
&
لكن محمد الخالدي، وهو أيضا قيادي في كتلة «متحدون» وينتمي إلى نفس المحافظة التي ينتمي إليها الجبوري، وهي محافظة ديالى، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «ترشيح سليم الجبوري مر بصعوبة داخل الكتل السنية حيث لم يكن موضع قبول من الجميع لكن الأوضاع التي يمر بها البلد والحاجة إلى سرعة حسم الرئاسات الثلاث وانسحاب أسامة النجيفي الرجل الأقوى من بين القيادات السنية فسح المجال لمرشح توافقي هو سليم الجبوري».