جلال عارف
&

في اليوم نفسه الذي نجحت فيه القاهرة في التوصل لاتفاق تهدئة لوقف شلال الدم الفلسطيني في غزة، كانت تطلق إشارة البدء في المشروع العملاق لتنمية منطقة قناة السويس، وكانت البداية مضاعفة طاقة القناة نفسها بحفر فرع جديد يحقق ازدواجية المرور للسفن العابرة. الاحتفال على شاطئ القناة، كان أيضاً إعلاناً بأن الضربات القاصمة التي وجهها الجيش المصري للجماعات الإرهابية في سيناء قد أمنت الوضع إلى حد كبير، رغم أن المعارك مستمرة واستئصال وباء الإرهاب من جذوره سوف يأخذ بعض الوقت.

لكن الصورة على الجانب الآخر (عند الحدود الغربية مع ليبيا) كانت مختلفة، فالأوضاع في ليبيا تسوء يوماً بعد يوم، والفوضى تضرب في أنحاء البلاد، ومليون عامل مصري يواجهون أخطر الظروف هناك، ووزير الخارجية المصري كان في تونس لترتيب أوضاع العالقين من هؤلاء العمال على الحدود التونسية الليبية وإعادتهم للوطن. الأعداد هناك رغم الأزمة، لا تقارن بعشرات الألوف الذين يعودون عبر الحدود المصرية الليبية عند معبر »السلوم«.

وفي اليوم نفسه كان هناك حادث إرهابي في الساحل الشمالي عند منطقة »الضبعة«، حيث الموقع المفترض للمفاعل النووي المزمع إنشاؤه، بالاعتداء على كمين للشرطة وقتل أفراده.

الحادث - بعد جريمة الفرافرة - يقول إن هناك تصميماً من جماعات الارهاب على فتح جبهة جديدة في الغرب بالقرب من ليبيا، حيث يتم من هناك تهريب مختلف أنواع الأسلحة إلى مصر، وحيث أصبح معروفاً أن هناك معسكرات لتدريب الارهابيين المصريين وغيرهم، وحيث يتسلل بعضهم من هناك إلى داخل مصر عبر حدود تزيد على ألف كيلو متر. مصر تتعامل مع مخاطر الوضع الليبي بجدية منذ بداية انفلات الاوضاع عقب إسقاط حكم القذافي، لكن الأمور تختلف.

وقعت ليبيا فريسة الصراعات القبلية والجهوية، لكن الأخطر هو أنها تتحول إلى مركز لعصابات الارهاب التي تدعي الاسلام، وأن حدودها المفتوحة مع الدول العربية والإفريقية تضاعف الخطر، بالإضافة إلى ترسانة الأسلحة الكبيرة التي كانت في حوزة القذافي وانتقلت إلى هذه العصابات، وبالإضافة أيضاً إلى الدعم الذي تلقاه من جهات إقليمية ودولية كان رهانها وما زال - هو هدم الدولة في العالم العربي كله وإغراقه في الفوضى.

ومع تزايد المخاطر كانت لقاءات التنسيق بين دول الجوار الليبي، وكان الاتفاق على تولي الجزائر مهمة التنسيق الأمني في مواجهة هذه المخاطر، وأن تتولى مصر مهمة التنسيق للبحث عن حلول سياسية للأزمة الليبية، وهي مهمة تحتاج لاستخدام علاقات القاهرة بمختلف القبائل ومكونات الشعب الليبي، لكنها تصطدم بعصابات القتل الارهابية التي تمتد من فروع الاخوان إلى فروع القاعدة وداعش!

وفي مؤتمر صحافي عقده الأسبوع الماضي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مع رئيس وزراء ايطاليا الذي ترأس بلاده الآن الاتحاد الاوربي، تحدث الرئيس السيسي عن الاوضاع في ليبيا، وركز حديثه في نقطتين أساسيتين: الأولى هي تحميل أوروبا وحلف »الناتو« مسؤولية عدم استكمال مهمتهم في ليبيا، ما أدى إلى هدم ما تبقى من أجهزة الدولة ونشر الفوضى وتمركز الارهاب. والثانية كانت التأكيد على أن مصر ستحمي حدودها أمام عمليات تهريب السلاح أو تسلل الارهابيين، داخل أراضيها.

لكن ما أثار الانتباه بعد ذلك كان بياناً صادراً عن عمرو موسى، الأمين العام السابق للجامعة العربية والسياسي المقرب للرئيس السيسي، حيث أكد في بيانه أن الوضع في ليبيا أصبح مصدر قلق كبير لمصر ودول الجوار في العالم العربي، داعياً للعمل على بناء التأييد الشعبي اللازم، حال اضطرار مصر لاستخدام حق الدفاع عن النفس إزاء التداعيات التي تشهدها ليبيا، والتي تهدد أمن مصر القومي تهديداً مباشراً.

ورغم أن وزير الخارجية المصري حرص على التأكيد أثناء زيارته لتونس، على أنه لا نية لدى مصر بالتدخل العسكري في ليبيا، ورغم أن عمرو موسى لا يحتل موقعاً رسمياً في السلطة، إلا أن قربه من الرئاسة المصرية ومعرفته بالواقع العربي، تعطيان لبيانه (الذي حرص على أن يكون مكتوباً) أهمية مستحقة.

الموقف الرسمي لمصر كما الجزائر (وهما الدولتان الأكثر تضرراً مما يحدث في ليبيا)، هو استبعاد التدخل العسكري والاكتفاء بضرب أي محاولة لتهديد الحدود أو اختراق الأمن الداخلي لهما.

لكن ماذا لو حدث الانهيار الكامل أو سيطرت قوى التطرف أو تحولت أراضي ليبيا أو أجزاء منها إلى فروع لدولة »داعش«؟! ما يحدث في شمال لبنان، والتهديدات الموجهة للأردن ودول الخليج بأن الدور عليها، يجعل البحث عن سيناريوهات لمواجهة الأسوأ في ليبيا أمراً ضرورياً.. ليس في مصر والجزائر وتونس فقط، وإنما في كل الدول العربية التي ما زالت صامدة في وجه موجة الارهاب، ثم أمام دول أوروبا التي أسهمت في الكارثة وتركت الخطر وراءها متوهمة أنها ستظل بعيدة عنه، أو جرياً وراء الخديعة الأميركية بأن هناك إرهاباً معتدلاً يمكن الرهان عليه والتعامل معه!
&