عبد الوهاب بدرخان

صيف 2001 لم يكن بسخونة صيف 2014، لكن خريفهما سيتشابه إلى حد كبير. سيقف باراك أوباما على المنبر نفسه في الأمم المتحدة، كما فعل جورج دبليو بوش قبله، ليدعو أو يطالب بـ«تحالف دولي» ضد إرهاب «داعش». قال بوش آنذاك إن «الحرب على الإرهاب» حتمية ووشيكة. بعد نحو عقد من الزمن أعلن أوباما «نهاية» تلك الحرب، ليدرك في منتصف ولايته الثانية أنها لم تنتهِ، وأنه رغم كل محاولاته للتهرّب والتملّص أصبح مضطراً لخوض حرب جديدة. لم يجد بوش عناء يُذكر في تشكيل «تحالفه»، بل كان هناك تنافس للمشاركة فيه، لأن أميركا هي التي ضُربت واللحظة مؤاتية لإبداء أقصى التضامن معها. هذه المرّة ثمة صعوبات لبلورة مثل هذا التحالف، ولأن هناك مشاكل كثيرة أبرزها مشكلة اسمها أوباما، فحتى أقرب الحلفاء لا يعرف حقيقة تفكيره أو يصاب بخيبة أمل إذا عرف. في تحالف 2001 كانت هناك دولٌ مستبعدة وغير مرغوب فيها، تحديداً تلك التي جاء منها إرهابيو 11 سبتمبر، أو تلك المصنفة أميركياً بأنها راعية مزمنة للإرهاب.

&والجميع يذكر «محور الشرّ»، كما سمّاه بوش. أما في 2014، فإن معظم المدعوين إلى التحالف هم أولئك الذين استُبعدوا سابقاً، بالإضافة إلى الذين يحاولون دعوة أنفسهم، ومنهم اثنان من أعمدة «محور الشرّ». طبعاً سيكون هناك الحلفاء الغربيون الذين يعتبرون أنفسهم أبرياء، مثل أميركا، من أي مسؤولية عن نشوء ظاهرة الإرهاب، وأن الواجب «الإنساني» وحده دافعهم إلى هذه الحرب. أما العرب الذين اتهمتهم أميركا بعد هجمات 11 سبتمبر، فتبحث حالياً عن مشاركتهم في المهمة الجديدة. هكذا مثل «السلام عليكم وعليكم السلام، تعرفون لدينا الآن، بالأحرى لديكم، معضلة اسمها داعش، ونريد تعاونكم للقضاء عليها وإنهائها».

&هكذا، وكأن ما يحصل في العراق، ليس نتيجة أخطاء أميركية فادحة، أو كأن ما حصل في سوريا وما حصل ويحصل في فلسطين ليس نتيجة تهاون إدارة أوباما وخذلانها وخضوعها للتوجيهات الإسرائيلية، أو أخيراً كأن «التحالف» - الضمني والموضوعي - بين أميركا وإيران (وإسرائيل) ليس مسؤولاً عن انهيار سوريا والعراق وتمزّق مجتمعيهما، ودفع دولتيهما نحو التفكك. فكل ذلك صنع على مرّ السنين الأرضية العفنة التي ولد فيها الإرهاب، بأنواعه التي عُرفت أو التي لم تُعرف بعد.

حددت الولايات المتحدة شروطاً عدة للانخراط في الحرب على «داعش»، بينها «تضامن البيئة السنّية» ووجود «تحالف إقليمي - دولي»، فضلاً عن الاعتماد على قوى محلّية وعدم التورّط بإنزال جنود أميركيين أو غربيين إلى الأرض. لا جدال في أن «داعش» وإرهابه مقبولان فقط في بيئات هامشية جداً أو مكتومة تحت الأرض. فحتى الذين وضعوا يدهم في يد هذا الشيطان للخلاص من شيطان آخر في العراق أو الذين رحبوا به في سوريا ظناً بأنه رافد لثورة الشعب، لم يكونوا مخيّرين، وما لبثوا أن أدركوا الخدعة وبدأوا يتمايزون عنه لكن بتكلفة بشرية هائلة.

أما إذا كانت الحكومات «السنّية» هي المقصودة بالتضامن المنشود، فهذه أيضاً لا خيارات أخرى لها، لكن لديها الكثير من الشكوك في سيناريوهات هذه الحرب ومؤدّاها. وأول ما تريد التعرّف إليه هو نيات أميركا والدول الغربية لما بعد تلك الحرب، وهل أن العرب مدعوون إلى عمل دولي يهدف فعلاً إلى ضرب الإرهاب الذي يتهددهم أم إلى موقعة نارية يكونون وقودها وحطبها وحطامها، وهل أن محاربة الإرهاب مجرّد عنوان لـ «شرعنة» تقسيم المنطقة وتقطيع خرائطها وتوزيع أشلائها على دول إقليمية تدّعي نفوذاً عليها وعلى شعوبها، وإذا لم يكن هذا هو الهدف فلماذا تعاملت أميركا بلامبالاة مذهلة حيال سفك الدماء طوال الأعوام الماضية؟ ولماذا تغاضت عن تدخل إيران واتباعها على هذا النحو المؤذي في العراق وسوريا؟ ولماذا سكتت عن المنظومات الاستخبارية لتسهيل نشوء «داعش» ونموّه وتسليحه؟

في معرض البحث عن «تحالف» ضد «داعش» بات مؤكّداً عملياً، وشبه مؤكّد «رسمياً»، أن أميركا ودول الغرب تعتبر التعاون مع النظام السوري تحصيل حاصل. لكن العواصم كافة تقول إنها ترفض ذلك، بل تستفظع مجرّد فكرة التعامل مع «مجرم حرب»، علماً بأنها هي نفسها من أكثر المدلّلين لمجرم الحرب الإسرائيلي والمدافعين عن «أمنه». لكن كيف يمكن الحصول على تضامن البيئة السنّية، إذ كأن تعاون نظام دمشق يمحو جرائمه ويؤهله للبقاء في الحكم، وكيف يستوي إشراكه في ضرب الإرهاب مع العلم بأنه من صانعيه. وتنطبق المآخذ ذاتها على إيران وعلى دول أخرى شاركت في استغلال مرحلة التحوّلات في العالم العربي. وفي مثل هذه الحالة، لم يتبقَّ سوى أن يُدعى زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري للانضمام إلى «التحالف»، ولمَ لا فقد يكون مفيداً لأن له ثأراً على «داعش» وزعيمه؟.
&