&محمد عبد الهادى علام

&

&

&لم يعد ترفا الخروج بقوة إلى المحيط العربى وجمع أشتات المنطقة على هدف واحد ألا وهو بناء نظام إقليمى تشارك فيه كل البلدان العربية بلا استثناء، وتصاغ من خلاله رؤية موحدة للعمل العربي

، بل هو ضرورة قصوى أكثر من أى وقت مضي، حيث التحديات الداخلية ليست هى فقط نتاج تراكمات العقود الأربعة الماضية، حيث خلفت تلك الفترة تحديات خارجية أيضا تتمثل فى أشلاء هنا وهناك أثقلت الجسد العربى بوهن وضعف لم يعد ممكنا السكوت عن استمراره فى تلك الحالة الواهنة.

فى مستهل العام الجديد لا نملك إلا أن نأمل فى سريان تيار وعى جديد فى العقل السياسى العربي، ولا يمكن للعقل العربى أن يعى خطورة اللحظة وأن يتحرك دون أن تكون مصر حاضرة وفاعلة فى مركزه، وأن تترجم تلك الفاعلية فى صورة خطوات مدروسة واعية، لعلها تصلح ما أفسده الدهر وتطلق طاقات جديدة مثلما اعتادت أن تفعل عندما يحيق الخطر بأمتنا. ومن بواعث الشعور بالأمل أن الدول المحورية فى المنطقة العربية تعمل اليوم على ترتيب أوراق المرحلة بعد أن أيقنت خطورة حالة التمزق التى تسرى فى بلاد الشام والعراق وليبيا واليمن وعن إدراك أن تلك الحالة ستخلف عواقب وخيمة على شعوب المنطقة ووحدة وسلامة أراضى دول شقيقة تصارع من أجل البقاء اليوم.
الرئيس عبدالفتاح السيسى يتوجه خلال الفترة المقبلة إلى منطقة الخليج العربي، حيث سيزور دولة الكويت الشقيق والإمارات والبحرين وكان قد زار السعودية لبحث قضايا الشأن العربى والعلاقات الثنائية على طريق صياغة رؤية موحدة تصب فى نهاية المطاف فى القمة العربية التى من المقرر أن تعقد بالقاهرة مارس المقبل، هى القمة التى تعول مصر عليها كثيراً وتريد أن تقدم من خلالها إلى العالم رسالة واضحة تقول إن تشخيص أمراض المنطقة يبدأ من هنا، وإن الشعوب والحكومات عليها أن تضع نصب أعينها عددا من الأهداف العاجلة فى مقدمتها الوقوف صفا واحدا فى مواجهة شيطان التطرف والعنف والدموية الذى هبط على أرض المنطقة يعيث فسادا وشرا وقبحا بما لا يمكن تحمله وما لا يمكن السكوت عن بقائه وأن من يسانده أو يدعمه لن يكون له مكان فى العالم المتحضر ولن تقبله الشعوب الواعية بعد اليوم.

كما أن التحركات المصرية الحالية ترمى إلى تفعيل اَليات التعاون الاقتصادى المشترك التى مازالت تراوح مكانها، فرغم كل الاستثمارات العربية «البينية» فإن العالم العربى مازال يفتقر إلى رؤية شاملة تضعه على خريطة التجمعات الاقتصادية الدولية حتى لو جاءت البداية خجولة أو بطيئة ولكنه بالتأكيد خير من ألا تأتى أبداً.
ليس من قبيل الأحلام أو المستحيل أن تقود مصر تحركا من هذا النوع حتى لو قال البعض إن التوقيت ليس مناسبا حيث العين البصيرة التى ترقب ما يجرى فى المنطقة لابد أن تدرك أن علاج أمراض المنطقة من فقر وجهل وتطرف لن يأتى دون خلق حالة تكامل بين الدول العربية، تعلى من شأن التنمية الشاملة والإصلاح الاجتماعى والاقتصادى على أن تكون على قدر المساواة مع خطط المواجهة السياسية والعسكرية والأمنية لقوى الظلام الدامية التى تتغذى على احباطات عديدة.

فى الحديث الأخير للرئيس السيسى مع رؤساء تحرير الصحف القومية، قال: «إن المنطقة فى أصعب وأضعف أحوالها وتحتاج إلى سنين طويلة وجهود مخلصة وشجاعة حتى تستعيد ما كانت عليه». وفى رأيى أن توصيف الرئيس للحالة لا يستند إلى المشاهدات العادية التى نراها جميعا، ولكنه يرتكن إلى معلومات ومعرفة بالحقائق وما يدور فى سائر أنحاء المنطقة وعندما يؤكد أن الأمر يحتاج إلى سنوات من أجل إعادتها إلى ما كانت عليه فهو يعى ويعنى ما يقول، وعليه لابد أن يعتمد التحرك اللازم لوقف التدهور فى الحالة العربية الراهنة من نقطة وضع أسس جديدة للتعاون العربى فى القمة المقبلة بمصر تقوم على تقويم المخاطر الراهنة ووضع توصيف واقعى للحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى الدول العربية خاصة فى المجتمعات التى تفترسها جماعات الإرهاب وقوى التشدد الدينى حالياً.
وقبل القمة المقبلة، يتعين على الجامعة العربية وأجهزتها خصوصا المجلس الاجتماعى والاقتصادى التابع أن يقوم بمهامه بموجب الميثاق ليس من خلال الأطر التقليدية التى عمل من خلالها منذ تأسيسه فى عام 1957 ولكن من خلال جهد خلاق فى الشهور الثلاثة المقبلة يجمع أفضل عقول وقدرات الأمة من أجل خطة إنقاذ سريعة المفعول تتجاوز الحدود التقليدية التى أعاقت العمل المشترك لأكثر من خمسة عقود وتجمع الكل على هدف واحد وهو منح الشعوب العربية بارقة أمل فى غد أفضل.

واعتقادى أن العواصم القادرة على تمويل خطة عربية عاجلة للإنقاذ سترحب بخطوة التحرك الاقتصادى للتقليل من آثار الوضع الكارثى فى الدول المضارة من الصراعات الداخلية والحد من معدلات الفقر فى دول أخري. وهذا مقترح من ضمن مقترحات عديدة يمكن البناء عليها حتى لا تخرج القمة القادمة بمواقف تقليدية ليس مكانها اليوم.
التحركات السياسية والدبلوماسية المصرية الأخيرة تنبع أهميتها من وضوح الهدف النهائى من تلك الزيارات الرئاسية واستقبال الأشقاء من القادة العرب وكبار المسئولين فى القاهرة حيث يريد الرئيس السيسى أن يوقف مسلسل التدهور فى الوضع الأمنى والإنسانى العربى رغم تركيزه على استعادة قوة واستقرار الدولة المصرية فى الداخل وهى المهمة التى تسير على نحو جيد ولا تختلف عن الهدف من التحركات على الصعيد العربى والإقليمي، فمصر هى نقطة الارتكاز فى أى مشروع عربى وبدونها يصعب المضى فى أى خطة طموح لتغيير الواقع المؤلم.

ونقطة البداية فى التحرك المستقبلى أن نتوقف عن الأسلوب القديم فى طرح المشكلات التى تهدد التعايش المشترك بين شعوب العالم العربى وان نصارح أنفسنا بطبيعة التهديدات دون مواربة أو خشية حسابات من هنا أو هناك. وما يدعونى للتفاؤل أن العواصم العربية الكبرى تدرك خطر اللحظة الراهنة وتبدى استعدادا كبيرا للعمل المشترك الإيجابي.

&

&

&

&

الأهرام يبدأ عامه الـ 140


قبل أن تمضى سنة 2014، كانت مؤسسة الأهرام تدخل عامها المائة والأربعين يوم 27 ديسمبر الماضى والذى يوافق يوم تأسيس الدار عام 1875، وهو حدث فريد فى تاريخ الصحافة المصرية والعربية والعالمية وتستعد «الأهرام» للاحتفال به بما يليق بالمناسبة التى ليست فقط مجرد ذكرى تأسيس صحيفة بقدر ما هى رحلة وإبحار فى تاريخ مصر المعاصر الذى وقفت الصحيفة، (صدر عددها الأول فى الخامس من أغسطس عام 1876 من مدينة الإسكندرية)، منه شاهدا ومنارة على تطورات وتفاعلات وأحداث كبرى شكلت صورة مصر والعالم فى قرن ونصف قرن.

لم تكن رحلة الأهرام هينة وتعاقب عليها أكثر من نظام حكم من أيام مصر الخديوية إلى مصر الملكية إلى الجمهورية وعاصرت الصحيفة خمس ثورات كبرى من الثورة العرابية التى وقف فيها الجيش المصرى معبرا عن ارادة أمة ورغم خروج زعيم الثورة خاسرا فى مواجهة مع القصر والإنجليز فإنه وضع لبنة تيار وعى جديد سرى فى الجسد المصرى وترك الجيش المصرى بتقاليد وطنية رسخت مع الزمن، إلى أن كان التدخل الحاسم من أبناء القوات المسلحة مع ثورة الشعب ضد نظام حكم جماعة الإخوان فى 30 يونيو من العام الماضى ومرورا بكل تلك الحوادث الكبار كان الأهرام شاهدا وناقلا للأخبار ونبض الأمة ومصدرا مفعما بالحيوية للمؤرخين والمثقفين لا يبارى فى تفرده وخصوصيته فهو المصدر الحى الوحيد الذى يعود إليه الجميع عندما نبحث فى تاريخ مصر المعاصر.
وعندما نمعن النظر فى التاريخ «الشعبي» للحياة المصرية بكل جوانبها وعلى اختلاف طبقاتها. تحل تلك المناسبة والصحافة القومية المملوكة للشعب تواجه الكثير من التحديات وبعد عام ونصف عام من ثورة 30 يونيو تبدو الدولة المصرية حريصة كل الحرص على دعم ومساندة الصحافة المملوكة للشعب وتضع نصب أعينها مساندة الدور التنويرى والثقافى لتلك المؤسسات التى عانت كثيرا فى العقود الأخيرة بسبب الترهل الإدارى والوظيفى وجوانب عديدة للفساد المالى وهو ما تركها فى حالة اهتزاز وتعثر فى السنوات الأخيرة.

ورغم كل ما جرى، عادت الأهرام فى العام الأخير على القمة مجددا بفضل خيرة أبنائها فى كل القطاعات وحققت معدلات أداء جيدة جدا ونحن ماضون فى طريق التطوير والتحديث وتقديم أفضل ما لدينا من صحافة راقية تعتمد على المصداقية وتغليب المصلحة العامة فوق أى اعتبار آخر. فنحن نقدم خدمة صحفية تهدف إلى الإخبار والتثقيف ورفع مستوى الوعى ومخاطبة القراء من مختلف الأعمار والفئات وسيكون نصيب الشباب وافرا فى الفترة المقبلة من أجل تحقيق التواصل بين الصحيفة العريقة وبين الأجيال الجديدة التى تتخاطفها مواقع التواصل الاجتماعى وسرعة تناقل المعلومات فى عالم مزدحم بوسائط الإعلام.
عام 2015 سيكون بإذن الله هو «عام الأهرام» ويتواكب احتفال التأسيس بالعيد المائة والأربعين وعيد إصدار العدد الأول فى الخامس من أغسطس مع احتفالات افتتاح قناة السويس الجديدة وتلك مصادفة تاريخية عظيمة لا يمكن أن تمر دون أن نسجلها على جدار التاريخ.. وقد بدأت الأهرام بالفعل صفحات من الذاكرة ستنشر بشكل دورى من اجل تسليط الضوء على تاريخ مصر الاجتماعى والسياسى على مدى 14 عقدا من الزمن وانتظروا منا الكثير فى تلك المناسبة الكبرى..