مشاري الذايدي

التظاهرة الدولية الشعبية التي جرت في فرنسا ضد الإرهاب الأصولي المتأسلم، لحظة فارقة. المغالطون يرون في التظاهرة فقط قصة الهجوم على مجلة «شارلي إيبدو» المنفلتة، والحق أن الأمر أكبر من هذا بكثير، فجريمة الأخوين الفرنسيين الجزائريين (كواشي) هي النقطة التي قطعت كل صمت. ثمة تراكم من القلق والغضب العالمي من فجور الإرهاب الداعشي القاعدي واستباحة كل شيء، هذا الغضب والقلق لا يخص أوروبا والغرب، بل هو - أصالة - قلق وغضب يخص العرب والمسلمين. هناك مقاربات إعلامية عربية وإسلامية مضللة لتظاهرات فرنسا الدولية الشعبية الرسمية ضد الإرهاب، وخلاصة هذه المقاربات المضللة هي: لماذا يحتشدون ضد قتلة الفرنسيين ولا يفعلون ذلك مع قتلى سوريا. اليمن. فلسطين. الصومال.
هذا كلام بلا ثمرة.


فرنسا تحديدا، هي الدولة الغربية الرائدة في دعم الثورة السورية والضغط على أميركا والغرب لإزاحة الأسد وتمكين الثورة السورية «الوطنية»، وفرنسا هي الرائدة في دعم الدولة الفلسطينية رغم الفيتو الأميركي.


من عجائب هذا الإعلام المضلل، تقريع فرنسا، ومن خلفها أوروبا، لعدم سنها قوانين تمنع الإعلام من الإساءة للرموز الإسلامية الدينية، وهذا كلام عاطفي بلا خطام، لأسباب، منها أن حرية التعبير حجر أساس في العمارة السياسية الفكرية الغربية. والكنيسة، في أوروبا حانقة على تعرضها لسهام هذه الحرية، كما الملوك والملكات والأحزاب. الباب الوحيد المتاح للمحاسبة هو القضاء. وليس البندقية.


هذه واحدة. والثانية: هل الهجوم الإرهابي الأخير على فرنسا، حادث معزول وفريد، حتى نحصر كلامنا ودفاعنا ومغالطتنا فيه؟!
هجمات الإرهابيين القاعديين والدواعش وغيرهما، مسلسل مستمر، قبل وبعد ما جرى في سوريا، قبل وبعد معرفتنا مجلة «شارلي إيبدو». هجمات في عدة دول أوروبية، كما على دول مسلمة مثل المغرب وتونس ومصر وتركيا والأردن ولبنان والكويت والإمارات، والسعودية طبعا، التي كانت لها جولات مع رفاق كواشي والزرقاوي والمقرن. 2012 قتل محمد مراح في مدينة ميدي بيرينيه - فرنسي من أصل جزائري - على يد الأمن الفرنسي، بعد شنه سلسلة جرائم من ضمن ضحاياها أطفال.


2005 أدين الفرنسي – القاعدي، من أصل جزائري جمال بيغال بارتكاب أعمال إرهابية في جنوب فرنسا. وحكم عليه بالسجن 10 سنوات ومجموعة معه من أصول مغاربية. بيغال هو أستاذ كواشي وتلميذ المصري أبو حمزة المصري، حسب «الإندبندنت» البريطانية. الشبكة واحدة إذن، والأسباب متحدة، والمسألة لا تخص الموقف من المجلة الفرنسية المسيئة، كما يوهم فرسان إعلامنا!
هؤلاء ليسوا قلة معزولة كما يزعم المغالطون، بل نهج مستمر «باق ويتمدد». وهذا التكالب الإعلامي على محو سطور النقد، و«تضييع الموضوع» هو جزء من المشكلة التي أعاقت كسر شوكة الإجرام الأصولي. هذه حرب المسلمين، قبل الغرب والشرق، والمتضرر منها مصالح المسلمين، وقبل هذا صورتهم الإنسانية.


قلة من قادة المسلمين من يستشعر مسؤوليته تجاه صون الإسلام والمسلمين من هذا الوباء، في مقدمهم الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود.