عبدالله جمعة الحاج

منذ البداية كانت روسيا حساسة تجاه المسألة السورية، وتجاه جميع المبادرات الغربية، وتلك التي تقترحها الأمم المتحدة لشجب الحكومة السورية أو التعرض لها من خلال قرارات يصدرها مجلس الأمن الدولي، فهي لم تشأ أن ترى قرارات من شأنها تفويض الأمم المتحدة تقود إلى التدخل العسكري أو فرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري من منطلقات انتهاكات حقوق الإنسان. وتبرر روسيا ذلك بالهرطقة والمعايير المزدوجة التي تتصف بها السلوكيات الغربية فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، ما يولد نفوراً شديداً لدى صناع القرار في روسيا من التبريرات الأخلاقية التي يتحدث عنها ساسة الغرب، لكن يكمن في قهر هذا النوع من المواقف أن الروس لا يريدون أن يروا عدم استقرار في المنطقة العربية من شأنه أن يقود إلى حرب واسعة النطاق أو إلى تحول في ميزان القوة الذي قد يقود إلى آثار كارثية على مصالح روسيا في المنطقة العربية، أو إلى تداعيات سلبية كبرى على الداخل الروسي ذاته.

&


حتى وقت قريب كان موقف حكومة بوتين محافظاً تجاه القلاقل الحاصلة في بعض الدول العربية فيما يسميه الغربيون بـ «الربيع العربي»، بما يمكن وصفه بأنها كانت ولا تزال «نافرة» منها. لكن ذلك أمر يعتبر أكثر من كونه موقفاً أيديولوجيا محضاً يهدف إلى خدمة الذات. والقصد من ذلك هو القول بأن روسيا عندما تلقى نظرة على أحداث الدول العربية، فهي تقرأ وضعاً لو استمر في زخمه الذي بدأ به، فإن من الممكن له أن يؤدي إلى سيطرة «الإخوان المسلمين» على السياسة في العالم العربي، بمعنى استيلاءهم على السلطة في أكثر من دولة عربية، وسوريا كانت وربما لا تزال مرشحة لسيناريو من هذا القبيل. ومن هذا المنطلق، تنظر روسيا إلى مصلحة الغرب في إسقاط نظام العلويين في سوريا على أنه دعم مباشر لوصول «الإخوان المسلمين» إلى السلطة أكثر من كونه مساعدة للشعب السوري لتحرير نفسه من حكم الطغاة، فلو وصل «الإخوان» إلى السلطة، فلن يختلفوا في هذا الجانب.

في بداية الأزمة السورية كانت روسيا غير راغبة في التدخل العسكري المباشر فيها، وكانت مع عدم تدخل أي طرف خارجي فيها، خاصة الولايات المتحدة ودول حلف الأطلسي. وتنطلق نظرتنا للمسألة من هذه الزاوية من أن نظام الأسد كان حليفاً لروسيا، لكنه لم يكن معتمداً قط عليها بشكل كامل إلي درجة دعوتها للتدخل العسكري المباشر أو تحويل سوريا إلى نجم يدور في الفلك الروسي. صحيح أن نظام الأسد كان يتلقى دعماً عسكرياً كبيراً ومعدات ضخمة وكثيرة، لكنه أبقى على مسافة كافية لعدم تدخلها في شؤونه. وبالنتيجة، فإن سوريا لم تقع أسيرة في يد روسيا أو تحت رحمتها أو أن يصبح نظامها الحاكم مسؤولاً أمام جهة خارجية تمنعه من حرية استخدام قواته الأمنية والعسكرية ضد المعارضة الداخلية.

وكان الخطر الداخلي الذي يهدد النظام منذ بداية تحرك المعارضين ضده في ثمانينيات القرن الماضي هم الإخوان المسلمين الذين قاموا بتمردهم في مدينة حماة. ويبدو أن روسيا تستوعب هذه الحقيقة جيداً وقرأتها بتمعن، وربما أنها متيقنة الآن بأن «داعش» إنْ هو إلا نسخة جديدة أكثر عنفاً وتطرفاً من الإخوان المسلمين والحركات المتطرفة الأخرى. وقولنا الأخير في هذا المقام هو أن التدخل الروسي الحالي السريع والمفاجئ في سوريا ربما يحقق نجاحاً قصير الأمد من جهة نصرة نظام الأسد ودعمه ومساعدته على الصمود أمام معارضيه، رغم أن ذلك غير مضمون بالكامل، لكن على المدى البعيد توجد محاذير سلبية كثيرة، خاصة إذا ما زادت عملية العسكرة الدولية حدة المشكلة من خلال ما يحدث الآن من ضلوع لإيران وحزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي فيها إلى جانب روسيا، وما قد يقابل ذلك من تدخل مضاد من قبل أطراف لا تقر التدخل الروسي والإيراني المباشر كتركيا ودول حلف شمال الأطلسي، وعدد من الدول الإقليمية الأخرى.
&