أحمد عبد الملك
&
استنفرت أوروبا قواتها الأمنية بداية هذا الأسبوع إثر التفجيرات التي هزت العاصمة الفرنسية باريس، حيث تم رفع حالة التأهب الأمني في بعض هذه البلدان إلى الدرجة القصوى. وتعتبر تفجيرات باريس التي أوقعت 129 قتيلاً و352 جريحاً، الأعنف منذ اعتداءات مدريد عام 2004، وكان الهجوم الإرهابي قد طال مسرح «باتاكلان» و«استاد دو فرانس»، وبعض المطاعم، وقد قُتل 8 إرهابيين، 7 ماتوا منتحرين، بينما قُتل الثامن برصاص الشرطة.
&
واهتز العالم كله لتلك التفجيرات، فيما توعد الرئيس الفرنسي (فرانسوا أولاند) باتخاذ كل التدابير لضمان أمن بلاده، واعتبر أن ما حصل هو «عمل حربي ارتكبته (داعش) ودُبر من الخارج بتواطؤ داخلي»، وأكد أن «فرنسا لن ترحم المسؤولين».
وكان تنظيم «داعش» قد أعلن مسؤوليته عن هجمات باريس، وتوعد بالمزيد من الهجمات في بيان تمت ترجمته إلى عدة لغا، وهو أمر يعزز جدية التخطيط لتلك التفجيرات الإرهابية ودقة اختيار الأماكن التي يمكن أن يسقط فيها أكبر عدد من الضحايا.
&
وكانت صحيفة «الجارديان» البريطانية قد نشرت اسم أحد المهاجمين، وهو «عمر إسماعيل» (جزائري الأصل)، وهو من قاد الهجوم على مسرح «باتاكلان»، ومعه مسلحان لم تُحدد هويتهما.
&
وبعد هذه العمليات الإرهابية، من الواضح الآن أن السلطات الأوروبية سوف تتراجع عن استقبال آلاف اللاجئين السوريين، بل قد تلجأ لإجراءات أخرى مثل منع دخول العرب والمسلمين من دخول أوروبا من حاملي تأشيرات «شنجن» كما فعلت فرنسا، وقد أعلنت بولندا توقفها عن استقبال اللاجئين، وستحمل الأيام القادمة مزيداً من القرارات ضد العرب والمسلمين.
&
لقد صدرت بيانات الشجب والاستنكار من عدة بقاع في العالم، ومنه العالم العربي، في إدانة واضحة للعمليات الإرهابية التي تتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية، كما انهالت التعازي على الحكومة الفرنسية من زعماء العالم.
&
إن تصدير موجات الكراهية إلى العالم المتحضر ليس من خصال الشرفاء ومحبي الحياة الذين يعترفون بالآخر وحقه في الحياة. كما أن ربط تلك الهجمات البربرية بالإسلام هو الآخر يضر الجميع في آنٍ واحد. كما أن تراجع العالم عن محاولاته لإنهاء حكم الرئيس بشار الأسد في سوريا وإنقاذ الشعب السوري الذي تشرد أكثره في المنافي، لن يكون تراجعاً مبرراً، إذ توجد انتفاضة في سوريا ضد النظام، وقد نفد صبر السوريين بعد أن أحرقتهم البراميل المتفجرة وتهدمت البيوت على رؤوسهم جراء قصف طائرات النظام. فكيف يمكن للعالم التسامح مع هذا الإذلال والعنف المتجاوز لكل الحدود من قبل نظام ضد شعبه؟
&
كما لا يمكن للعالم أن يقف متفرجاً على تنظيم «داعش» وهو يمارس وحشيته بلا مبرر سوى الحقد والكراهية.
&
هذا ناهيك عن أن تلك التفجيرات قد تؤثر على معاملة العرب القاطنين في فرنسا، في الوقت الذي استقبلت في أوروبا مئات الآلاف من السوريين الذي تشردوا في العراء فآوتهم الدول الأوروبية وأطعمتهم. أليس من حق المواطن الأوروبي أن يتساءل: لماذا نأوي هؤلاء بينما إخوانهم وأبناء عمومتهم يقومون ببث الرعب في بلداننا ويقتلون مواطنينا بلا مبرر؟ ألا يمكن أن يتحول أطفال هؤلاء اللاجئين، عندما يكبرون، إلى «مشاريع متفجرة»، ونكون نحن الذين ساهمنا في ذلك؟ لذلك نقول لهم: لكم الحق في ذلك، لأن الأفكار الإرهابية والانتقامية تنتقل من جيل إلى جيل، ويوجد من العرب والمسلمين -الذين ينعمون بالحرية والعمل في أوروبا- من يمارسون السرقة والقتل، وبعضهم يثير المشاكل مع جيرانه ويخرق القوانين والأعراف السائدة. ونحن نعرف شعور مواطني تلك البلدان جرّاء ما يواجهونه من بعض العرب والمسلمين. ومن حق تلك البلدان الأوروبية أن تتتخذ كل الإجراءات لحماية شعوبها، حتى ولو نال ذلك بعض العرب والمسلمين الأبرياء -الذين لا ناقة لهم ولا جمل- فيما يجري، ممن يتلقون العلاج في أوروبا، أو يتجولون في الشانزيليزيه أو يمتعون أنظارهم ببحيرة جنيف!
&