صالح عبد الرحمن المانع

يحاول الزعماء السوريون المائة المجتمعون في الرياض هذه الأيام، إعادة رسم خريطة سياسية لمستقبل بلادهم دون وجود بشار الأسد. وقد توافقوا بالفعل على بعض المسلَّمات والقواعد الأساسية في إعلان مبادئ تضمّن سبع نقاط، هي «وحدة سوريا أرضاً وشعباً، وإقامة دولة مدنية ديموقراطية، واحتكار الدولة للسلاح، ورفض الإرهاب، والتزام مبادئ الديمقراطية، وإعادة هيكلة الجيش وقوى الأمن التي أسسها الأسد الأب والابن».

&


كما اتفق المشاركون على تشكيل وفد تفاوضي يتكون من خمسة عشر شخصاً، موزعين على ثلاث مجموعات؛ الأولى، تهتم بالأمن ووقف إطلاق النار، والثانية بالعملية السياسية وتكوين الهيئة التنفيذية الانتقالية، والثالثة تقدّم المشورة السياسية لأعضاء الوفد المفاوض. وفي محاولة لتخفيف أي اختلاف في الترشيحات، اتفق المشاركون على ألاّ يكون أي من أعضاء الوفد المفاوض جزءاً من الهيئة السياسية الانتقالية المقبلة في البلاد.

هذه المحاولات، والتي لم يشارك فيها الأكراد إلا بصفة شخصية، ما هي إلا محاولات لإنقاذ سوريا من التشرذم والتفكك، ومنعها من أن تكون مناطق نفوذ لأي من الدول المتصارعة في المنطقة، وأكثر ما يخشاه المفاوضون السوريون هو أن تتفكك بلادهم على نمط (سايكس بيكو)، إلى أقاليم متصارعة تتحكم بها الدول الإقليمية والأجنبية.

لذلك، كان من المهم لمّ شمل الساسة السوريين في الداخل والخارج، وكذلك تمثيل القوى المقاتلة على الأرض في أي مفاوضات سياسية مع النظام السياسي الحاكم في دمشق. ولقد طال الاجتماع السوري منذ بدايته إشكالات متعددة، منها عدم تمثيل الفصائل الكردية، وأهمها فصيل «الاتحاد الديمقراطي الكردي» الذي يحاول إنشاء إقليم كردي مستقلّ في شرق سوريا، شبيها بإقليم كردستان العراقي، يسمونه «كردستان الغربية». كذلك استبعدت كلاً من تنظيم «داعش» الإرهابي، و«جبهة النصرة» القريبة من «القاعدة».

وإذا ما نجح مؤتمر المعارضة السورية في تشكيل وفد تفاوضي يمثّل كل القوى المعارضة السورية، فإن ذلك سيكون جزءاً من مرحلة مهمة لخارطة طريق تؤدي إلى حلّ سياسي للأزمة السورية المستفحلة.

بدورها، فإن عدداً من القوى الكبرى والإقليمية تريد أن تحبط مؤتمر «جنيف3»، المزمع عقده في بداية يناير المقبل، لدعم عملية التفاوض بين الحكومة السورية والمعارضة، طبقاً لما اتُّفق عليه في فيينا قبل شهر، من أجل تشكيل هيئة حُكم تنفيذية مؤقتة في سوريا، وإجراء انتخابات جديدة بعد ثمانية عشر شهراً في البلاد.

ولاشكّ أن السوريين لا يرغبون بإقحام القوى الأجنبية المقاتلة في بلادهم، مثل «حزب الله» اللبناني، والفصائل العراقية والإيرانية، في محادثات سياسية تهدف إلى إنهاء الحرب الحالية وإعادة الاستقرار، فمثل هذه الميليشيات التي قدِمَت لمساندة الأسد، ليست إلا منظمات إرهابية تسعى لاستمرار الحرب وسفك دماء السوريين.

أما بعض القوى الإقليمية والأجنبية، فتأمل في اقتطاع أجزاء من سوريا وتحويلها إلى مناطق نفوذ أو حزام أمني لقواتها المرابطة على الأرض، لذلك، فإن مسار المفاوضات السوري الذي تقوده الأمم المتحدة سيصطدم حتماً بأطماع الدول الكبرى والإقليمية في هذا البلد المنهك بالحرب.

في الماضي القريب، كانت كل من واشنطن وباريس تعارضان أي دور للأسد في المرحلة الانتقالية، لكن بعد أحداث باريس وكاليفورنيا المؤسفة، تغيّر الموقف الدبلوماسي للبلدين، وباتا أكثر استعداداً للتحالف مع روسيا، ليس فقط في محاربة «داعش»، ولكن في تقاسم الكعكة السورية بشكلٍ لا يؤدي إلى صراع عسكري، أو احتكاك بين قواتهم وطائراتهم العاملة في الأجواء السورية.

سوريا بلد صغير، لم يتسنّ للدول الكبرى الاستفادة من النوافذ التي فُتحت فيه سابقاً، فقد كانت هناك نافذة حقيقية للتخلّص من الأسد في بداية الأزمة. وكان بوسع روسيا المساعدة على ذلك، وإحلال زعيم سياسي أكثر قبولاً لدى سائر أبناء الشعب السوري، ولو فعل روسيا ذلك لكانت قد كسبت الرأي العام الشعبي والرسمي في العالم العربي.

أما الفرصة الثانية، فتمثّلت في خذلان الولايات المتحدة وبريطانيا لمطالبة الشعب السوري للدول الكبرى بالوقوف في وجه الطاغية حين قتل شعبه بالسلاح الكيماوي قبل سنتين.

والسؤال الأكبر: هل تقود تلك الفرص الضائعة الدول الكبرى للتدخّل بشكلٍ جدّي لإطاحة الأسد وإعادة بناء الدولة السورية على أساس ديمقراطي، أم أنّ الجهود السياسية والحلول المؤجلة ما هي إلا جزء من محاولة احتواء الآثار الجانبية لأي صراعات مستقبلية حول سوريا بين الدول الكبرى والإقليمية؟

بقيَ في النهاية أن نشيد بالدور المتميّز الذي قامت به الدبلوماسية السعودية في إدارة هذا اللقاء التاريخي للمعارضة السورية، بشكل احترافي مميّز.
&