احمد عبدالتواب

&

&

&

يتبنَّى بعضُ رجال الدين ممن يدّعون أنهم ضد تنظيم داعش وأفكاره وجرائمه نفسَ المنطق عندما يطالبون بتطبيق حدّ الحرابة على إرهابييه بتقطيع أياديهم وأرجلهم من خلاف!.


فصاروا مثلهم مثل داعش الذى يحلّل لنفسه قطع الرقاب وجزّ الرءوس وإحراق الأحياء وفرض الجزية وسبى النساء وترحيل أصحاب الديانات الأخرى..إلخ! أى أنهم لا يعترفون، مثل داعش، بأن هناك دستوراً وقوانين واجبة الاتباع وأنها لا تعرف أياً من هذه العقوبات، كما أنهم لا يهتمون بالمبدأ المفروض على الحاكم والمحكوم فى دولة القانون، التى نادت بها الثورة، إنه ليست هناك عقوبة دون نصّ تشريعى وضعه البرلمان أو من ينوب عنه فى حال غيابه، شريطة أن تجرى محاكمة عادلة تتوافر فيها جميع ضمانات الدفاع، وفق المعايير الدولية، اللهمّ إلا فى حالة التصدى لداعش، أو لغيره ممن يعتدون بالسلاح، مما يُجيز لأجهزة الدولة، بل يصبح واجباً عليها، أن تستخدم القوة المسلحة، بما قد يصل إلى حدّ القتل، وفق شروط خاصة، للقيام بمسئولياتها فى حماية الأرواح وحفظ الأمن والدفاع عن المنشآت العامة والخاصة، كما يحق للأفراد الواقع عليهم العدوان، اللجوء إلى القوة دفاعا عن أنفسهم.


ومن غرائب وتناقضات من يزعمون أنهم يُطبِّقون الشريعة أو يطالبون بتطبيقها، حتى مع التغاضى عن تعارضهم مع الدستور والقانون، أنهم لا يتفقون على رأى واحد، فبعض هؤلاء المنادين بتنفيذ حدّ الحرابة على داعش، يُدينون بشدة مزاعم ادعاء داعش وهو يحرق الأسرى بأن للإحراق أسانيد شرعية وفقهية وتاريخية، بل ينفى المعارضون نفيا قاطعا أن يكون هناك أى سند، ويقومون بتجريح أى راوٍ ينسب فى كتب التراث إلى بعض الصحابة أنهم قاموا بذلك، ويطعنون فى صدقه وإسلامه، بل وصل البعض إلى حد اعتبار أن هذه المعلومات فى كتب التراث مدسوسة ضمن الإسرائيليات التى تستهدف الإساءة والتشهير بالإسلام!

&

لاحظ أيضا أن لدينا موضة هذه الأيام تطالب بتكفير داعش، وهو نفس السلاح الذى يرفعه داعش ضد خصومه، بل ضد أعضائه الذين يختلفون معه فى بعض الإجراءات! وهو فعل يتعارض صراحة مع الدستور الذى لا يعرف تهمة الكفر، بل إنه يؤكد أن حرية الاعتقاد مطلقة.

&

ولاحظ أيضا أن بعض موظفى وزارة الأوقاف قاموا قبل أسابيع قليلة بمصادرة بعض الكتب قالوا إنها تتضمن أفكارا للسلفيين، ووصموها بأنها ضد صحيح الدين! هكذا دون حُكم من القضاء، بل دون أن يُسجّل الموضوع فى محاضر الشرطة ودون أن يُعرَض على النيابة! وكان من العجب أن يسكت الليبراليون واليساريون على المصادرة، بما يعنى صراحة أنهم راضون عن المصادرة عندما تخصّ كتب خصومهم! وكل هذا متناغم فى هارمونية غريبة مع موقف داعش من كتب الآخرين، حتى أن كوادره حرقت فى العراق قبل أيام عشرات الآلاف من الكتب بزعم أنها تحضّ على الكفر! مما جعل بعض المعلقين يستدعون ما فعله التتار منذ قرون فى نفس المكان!

&

هذا التواطؤ على انتهاك مرجعيات الدولة الحديثة، أو إغماض العين عن مثل هذه الجرائم، فى مقابل النيل من الخصوم، أو حتى من باب الادعاء بالجدية والشدّة على خلاف الآراء والمشاعر الحقيقية، يفتح باب الجحيم باتباع كل تيار أو حزب أو فئة نفس السُّنَّة، إذا أُتيِحت الفرصة، فلا يبقى بعد وقت وجيز أىُ أثر للدستور والقانون، ويرتدّ الواقع إلى مجتمع الغاب حيث يفعل كل فرد أو جماعة ما يراه فى مصلحته وما يتوافق مع عقيدته الخاصة أو أهوائه!

&

وإذا نقلنا الموضوع إلى حيِّز التنفيذ وإمكاناته، فهناك إشكاليات حقيقية لا يلتفت إليها من يدفعون دفعا إلى تسييد منهج داعش فى الحياة السياسية المصرية، منها هذا التجاهل الغريب لمشاعر الجماهير العريضة التى اهتزّت بشدة مع رؤية عمليات الذبح وجزّ الرءوس، ثم هذا الاكتئاب والحزن العام أمام المأساة الكبرى فى جريمة إحراق الطيار الأردنى! فكيف يتحمل الضمير الجمعى مناظر تقطيع الأطراف، أو حتى العلم بحدوثها؟ ولكن يبدو أن البعض لا يكترثون لآراء ومشاعر الناس ويُصرِّون على أن يعملوا وكأنهم فى فضاء يخلو من أى مخالف لهم! وهو مبدأ داعشى بامتياز!!

&

وهناك إشكالية أخرى تتعلق بمن سوف يقوم فى مصر بتنفيذ حدّ الحرابة وتقطيع الأطراف من خلاف! لا شك أن هناك آحاداً من الأطباء ممن يخفق قلبهم مع فكر داعش على استعداد للتطوع بإنجاز المهمة مجاناً! ولكن هل تسمح نقابة الأطباء لأعضائها بالقيام بما ينتهك إلى حد التعارض الصارخ المبادئ الأساسية لمهنتهم ويسىء لسمعتهم؟ المؤكد أن الأغلبية الساحقة من الأطباء لا يقبلون مجرد التفكير فى إمكان أن يقوم أحدهم بهذه الجريمة، إضافة إلى أن مجرد افتراض إمكان حدوث هذا بسلاسة ودون توقع ردود أفعال داخلية وخارجية رافضة بقوة، ينطوى على جهل فاضح بأوضاع العالَم القانونية والعرفية التى جعلت الأطباء، ومعهم أصحاب مهن كثيرة، مقيدين باتفاقيات وعهود دولية ملزمة! أم تُرى سيُكلَّف بالمهمة جزارون من السلخانة؟ وهل يقف الطبيب إلى جوار الجزار حتى يقوم بعد التقطيع بتطبيب الضحية؟ أم سيقوم بالعلاج حلاق صحة من كوادر داعش؟

&

يبقى أن الإرهابى الكبير أسامة بن لادن، كان يُحذّر من تطرف مؤسسى داعش لأنهم، فى رأيه، لا يكتفون بتكفير الحاكم، وهو المدى الذى كان يزعم بن لادن أنه لا يتجاوزه، أما هم فقد زادوا على ما يرفضه بن لادن بتكفيرهم عامة الناس أيضاً بدعوى أنهم مسئولون عن حُكَّامهم، ولذلك فهم يقتلون الناس البسطاء بنفس الحماسة التى تحركهم ضد الحكام!

&

ومن الجدير بالملاحظة أن هذه الفكرة الداعشية تتجلَّى كأوضح ما يكون فى مواقف جماعة الإخوان الإرهابية التى وسَّعَت من مجال أعمالها وراحت تزرع المتفجرات فى مجال حركة المواطنين البسطاء، ولم يحدث أن اعتذرت عن القتلى والجرحى الذين يقعون ضحايا هذه التفجيرات! وما يفضح أكثر تبنى الإخوان لفكر داعش أنه لم يصدر عنهم بيان واضح يدين جرائم داعش الوحشية، أو يفند ما يزعم داعش أنه صحيح الإسلام!

&