حرب تكريت.. قضاء على «داعش» أم بداية حرب طائفية؟
حسن بن سالم
قتال تنظيم داعش في العراق، وتحرير المدن التي يسيطر عليها هو ضرورة ملحَّة؛ لضمان وحدة العراق واستقراره.
&
فعلياً، وعلى أرض الواقع، بدأ قتال التنظيم، باستعادة وتحرير مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين، ثاني أهم المدن التي يسيطر عليها، في أكبر عملية وهجوم عسكري ضده، منذ سيطرته على مناطق واسعة في البلاد في حزيران (يونيو) الماضي. ملامح هذه المعركة وطبيعتها وما قد تؤول إليه قد بدت واضحة المعالم منذ بدايتها، فالعملية العسكرية قد حشد لها نحو 30 ألف عنصر، قوام هذا الجيش وعموده الفقري يعتمد بشكل رئيس على ميليشيات الحشد الشعبي، المدعومة بأسلحة وتجهيزات عسكرية إيرانية لا يمتلكها حتى اللحظة الجيش العراقي نفسه، وبذلك تكون إيران قد حسمت مسار المعركة منذ بدايتها، فهي تريد أن يكون النصر العسكري في تكريت «طائفياً»، أيْ نصراً وتوسعاً لنفوذها، وليس نصراً للعراقيين وبما يخدم وحدتهم، فلا غرابة بعد ذلك أن تتعالى الصرخات المتصاعدة من سيارات المقاتلين «بالنصر للحشد الشعبي» وليس الجيش العراقي، في وقت سادت أعلام وشعارات الميليشيات على العلم الوطني العراقي.
&
المخاوف من أجواء هذا العمل العسكري على المدى القريب أو البعيد، وبسبب الطبيعة الطائفية والانتقامية من هذه العملية، أمر متحقق وليس محتملاً، والتساؤل الذي يطرحه الكثير من المحللين: ماذا سيحصل إذا نجحت ميليشيات شيعية في تحرير مدينة ذات غالبية سنية؟
&
أصبح الواقع وقبل تحرير تلك المدن هو من يجيب على ذلك التساؤل، فمليشيا بدر المسلحة وزعت منشورات في مناطق مختلفة من محافظة صلاح الدين التي تسيطر عليها منذ وقت سابق، قالت فيها: (سندخل تكريت وسنأخذ بثأر شهداء سبايكر)، في إشارة إلى مقتل 1700 جندي بالجيش العراقي قتلتهم «داعش» عند اقتحامها قاعدة سبايكر الجوية العام الماضي، وأضاف المنشور (إنها حرب بلا أسرى كل من يوجد في تكريت هو داعشي حمل السلاح أو لم يحمل)، ومع بدء عملية تحرير تكريت تداول الكثيرون خلال أيام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، قيام قوات من عناصر الحشد الشعبي بحرق منازل ومساجد وبساتين ومحال تجارية وسيارات في منطقة البوعجيل قرب مدينة تكريت التابعة لمحافظة صلاح الدين، إذ أصبحنا أمام ممارسات داعشية تقوم بها مليشيات الحشد الشعبي، فالمشهد يبدو كما لو أننا أمام حرب طائفية شيعية سنية، لا علاقة لها بالدولة، ولا بالقضاء على الإرهاب، ولا بتحرير الأرض والمدن التي سيطر عليها مقاتلو «داعش»، وما يجري في هذه المعركة وبمعنى الكلمة هو إخراج وحش وشيطان داعش الذي ارتكب أفظع وأبشع الجرائم بشيطان الميليشيات الشيعية، فالمعارك الدائرة لا تجري في سياق القضاء على تنظيم إرهابي، بقدر ما هي في سياق صراع مذهبي على النفوذ، وبالنسبة إلى أهالي مدينة تكريت والمناطق المحيطة بها والذين يشكِّل السُّنة غالبيتهم هم عالقون بين المطرقة والسندان، هل يختارون البقاء في قراهم ويظلون تحت إرهاب تنظيم داعش وجحيمه، أم يختارون البديل السيئ وهو الملاحقة والتنكيل من الميليشيات الشيعية؟ ولاسيما أن وزير الداخلية العراقي محمد الغبان، الذي من المفترض أن يوفِّر الأمن بدعم من قوات الشرطة المتقدِّمة، هو قيادي معروف بمنظمة بدر ذات العلاقة القوية بإيران، وأحد أهم المتحمسين لتعزيز مكانة الحشد الشعبي في الجيش العراقي، ولهذا الواقع أمهل أحد زعماء العشائر السنية إحدى المليشيات ثلاثة أيام لمغادرة منطقتهم، بسبب خطفها أفراداً من عشيرته وقتلهم.
&
في المقابل حسم الموقف الأميركي الشك باليقين، بإعلان رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي، أنّ دور إيران والميليشيات الشيعية في الهجوم الذي تشنه القوات العراقية لاستعادة مدينة تكريت من تنظيم داعش يمكن أن يكون «إيجابياً»، إذا لم يؤد إلى توترات طائفية مع السنة، وهو ما فُسر بأنه قبول أميركي للدور الإيراني مشروط بخجل، وهو ما يمثل في منظور الجانب السنّي، اصطفافاً أميركياً واضحاً؛ من أجل العمل على تحقيق مصالحها، وهذه سياسة رعناء قد عملت على تقوية القاعدة الشعبية لـ«داعش»، وزيادة حدة وتفاقم خطورة الأزمة على مدى الفترة الماضية، وستتمخض ساحة الأزمة في العراق، بسبب التدخل الإيراني، يقيناً عن صورة أخرى من صور التنظيمات الراديكالية.
&
وما دامت الميليشيات وأنصارها الإيرانيون يواصلون اعتبار المناطق السُنيّة جزءاً من فتوحاتهم التاريخية، فإن جوهر الصراع كما يحدده المنظور الطائفي سيبقى، ومن ثم فستستمر الحرب بأشكال مختلفة، ويتحول في ظل ذلك، وبحسب تعبير صحيفة «واشنطن بوست» في افتتاحيتها، ما يفترض أنه حملة لمكافحة الإرهاب إلى مذبحة طائفية، فتكون الإدارة الأميركية بذلك تقامر بتقويض الجهود كافة التي بذلتها في إبعاد نوري المالكي للحيلولة دون انقسام العراق على أسس طائفية، ويظل مفتاح أي حلّ سياسي وعسكري مع مسألة تخليص العراق من تنظيم داعش وإرهابه هو باستعادة ثقة الشركاء المحليين، عبر تسليح العشائر السُنيّة ومساعدتها على محاربة «داعش»، وهو ما يكون له دور في الضغط على بغداد لسن قانون الحرس الوطني؛ من أجل دمج القوات القبلية السنّية المحلية مع قوات الأمن العراقية في إطار مؤسسي، ومن دون التغلّب على مسألة انعدام الثقة السياسية بين الشركاء، ستظل استعادة السيطرة التامة على تكريت وعلى الموصل لاحقاً من تنظيم داعش تشوبها الكثير من العقبات.
&
التعليقات