سمير عطا الله

يفيق العربي من نوم الليل، أو من القيلولة، فيفرك عينيه، ويتثاءب، ويبسط ساعديه، ويتفقد الدنيا من حوله، ويصرخ فجأة: «مؤامرة».

هذه النتيجة الأولى لصحوته. إذا كانت كل الأشياء السيئة مؤامرة فأين الأشياء الجيدة التي حققها؟ وكم هو عدد الدول العربية والإقليمية التي لم تدِر، أو تشارك، في عشر مؤامرات على بعضها البعض، على الأقل؟
من وماذا دمَّر الإعلام في نصف القرن الماضي؟ كيف هدم علاقات الجوار وجسور العلاقة الحسنة ولم يوزع شيئًا سوى الشتائم والإهانات والافتراءات؟ من ملأ الأجواء كل يوم بالسموم والتحريض؟ من أبقى الأمة في حالة دوار مريع، كل يوم، كل صباح ومساء وظهيرة؟ من حرم العربي من التفكير في يومه وفي غده؟ هل هي إذاعات وصحف وفضائيات الاستعمار أم رداءات الغليان الفارغ الذي لم يقدم للناس سوى طبخة بَحْص فارغة، بخارها شتائم وخلاصتها جوع وفقر وعبودية؟
من الغباء نفي فكرة المؤامرة.لكن من الجهل ألا نلاحظ عدد المشاركين وأن نعرف من هم، وأن نكتشف أن ثلاثة أرباعنا يسير في ركابها. يرسم المؤامرة عادة عشرون أو خمسون شخصًا، لكن ماذا عن الملايين الذين ينفِّذونها؟ المؤامرة الكبرى هي الجهل. وأكبر منها التجهيل. ولماذا أعفت المؤامرة سنغافورة، حيث صار دخل الفرد 56 ألف دولار في العام، وبنوا بلدًا خاليًا من التلوث، بينما عواصمنا غارقة في الأوساخ، والسيارات المحطمة، والناس شبه الجائعين، وصخب الأصوات المنادية على تدني مستوى الحياة والنمو والتطور؟
من نشر فكرة المؤامرة؟ المتآمرون أرادوا أعذارًا لفرض العبودية وتبريرًا لخمولهم الفكري وتقصيرهم في إنتاج أي مشروع تطويري، والمضي في تفقير الشعوب وتقديم شيء واحد لها هو مزيج الذل والعوز. وهم من لقَّنها أن تصرخ كلما أفاقت من النوم الطويل، أو القصير: «مؤامرة».


الشعوب التي تحترم نفسها لا تشكو ولا تقبل أن تحمّل غيرها مسؤولية ضعفها. وإلاَّ فإنها لن تصحو. أكبر مخدر أعطي للأمة هو «المؤامرة» التي، لسبب عجيب، لا تزهر وتزدهر إلاّ عندنا. لذلك، ننام مطمئنين إلى أن كل شيء سوف يتغير عندما يمل المتآمرون وينتقلون إلى منطقة أخرى. ولكن أين يا ترى؟ إن الناس في أنحاء الأرض منصرفة إلى العمل وإلى الصناعة وإلى العلم، ونحن، علي عبد الله صالح، يحاصر عدن، هو الذي وقف إلى جانب صدام في احتلال الكويت. وقيل يومها إن الاحتلال مؤامرة أميركية، وإن سفيرة أميركا «شجعت» العراق على ما فعل. رجاء، اصحوا..