مساعد العصيمي

أصبح بإمكاننا أن ندعو بالرحمة والغفران للإعلام اللبناني الذي كان مثالا للثبات والموضوعية. نترحم عليه ونحن نشاهد الآن كثيرا منه يعيش خنوعا كبيرا ما انفك يخشى سطوة نصرالله إلى درجة أنه أصبح يداري هذا الأفّاق ويجاريه.


نترحم على هذا الإعلام الذي لم يبق منه إلا قلة ما زالت تحافظ على اتجاه بوصلتها الأخلاقية. نترحم عليه لأننا نتذكر بكثير من الفخر رجال لا تأخذهم لومة لائم في قول الحق. حتى إنهم دفعوا حياتهم ثمنا لذلك.
هل نعيد على بعض الإعلام اللبناني الرسمي أسماءهم وأفعالهم ممن قالوا: لا، في زمن أشد وأنكى، ولا بأس أن نتذكر ثلاثة من عددهم الكبير.


فهل بعيد عنكم سليم اللوزي؟ أم إن سمير قصير قد غاب عن ذاكرتكم؟ أم لا تذكّركم مي شدياق بأي ثبات وكرامة وهي تقف بشموخ بينكم رغم أن بقايا قنبلة صاحب الضاحية ما زالت في جسدها.


نتمنى بعض الكرامة للإعلام الرسمي هناك، وهو ينقاد بتبعية الخائب ليروج لأكاذيب الحزب وسيده، حتى بات إعلاما أصفر لا ينفك عن ممارساته الفاضحة دون حياء، ولا بأس إن تزين كل ذلك بالإبداع التهريجي، مع التخلي عن كل المعاني الراقية التي يتميز بها الإعلام المهني الأخلاقي.


هنا وعبر هذه السطور، نؤكد أن ألمنا ليس من جراء موقف معين، بل لأن هذا الإعلام الذي كان المدرسة التي ننهل منها قد بات في آخر الصف، ونعاود التأكيد أن ما تم من ترويج للحديث البذيء الذي أطلقه نصرالله، لم يكن ليرتقي ليثير ضغينتنا، لأن بلادنا لا تحسب حسابا للناعقين ولا تعبأ بالمتكسبين، لكنه التحسر على إعلام كان نبراسا فأصبح دون ذلك بكثير، ويكفي أنه مارس في زمننا الجاري أنواع الشتم والبذاءة تجاه بلاده وأهلها لأجل أن يرضي صاحب الضاحية الجنوبية.


نتحسر على الزمن الإعلامي اللبناني الجميل، وحق لنا أن نستغرب أن يبلغ كثير منه هذا المستوى المتراجع من الموضوعية والتخلي عن الحقيقة.
ذلك الإعلام الذي كان يضرب به المثل في الرصانة والثبات على المواقف بات مرتكزا للانفعال السريع، ومنطلقا للفكر الطائفي التعسفي، والأشنع أنه أصبح يتبنى شعارات الخاوين من أولئك الذين انكشفت سوءتهم أمام الملأ مع أهلهم في لبنان ومع جيرانهم في سورية.


كان المقبور، وخلَفه المقبور بإذن الله -الأسد وابنه- يمثلان التهديد الأكبر للإعلام الصادق، لكن كانت كلمة "لا" ورفض الانقياد تصدر واثقة من اللبنانيين وإعلامهم، إلا أن إعلام لبنان تغير ليصبح لبنان الكلمة الحرة ليس لبنان الحالي. فقد غسله الخوف وتجذر داخله المد الإيراني حتى إن بيروت التي كانت عاصمة الكلمة والثبات والمنبر الحر رغم اختلاف التوجهات، تتحسر على ماض جميل، كان لديها فيه رجال وفي لحظات التهديد الصارمة يقولون (لا). لنردد: رحم الله أصحاب الثبات، وثبت اللهم الثابتين الرافضين للخنوع!