&أحمد حسن الشرقاوي
& متابعة الأحوال في القاهرة هذه الأيام تذكرني بما كانت تشهده العاصمة العراقية بغداد في بعض جوانب الحياة خلال صيف العام 2002، أي قبل أقل من عام من الاحتلال الأنجلو-أميركي للعراق وإسقاط نظام حزب البعث بقيادة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين. بالطبع لا أقصد وجود تطابق بين الحالتين، لكنني في تلك الفترة كنت أعمل مديرا لمكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ.ش.أ) في لندن، حيث انعقد هناك ثاني مؤتمر من نوعه للمعارضة العراقية في عاصمة الضباب.
وقتها كنت أقوم بمتابعة المؤتمر كجزء من عملي كصحافي، وسمعت أخبارا تتطرق إلى تفاصيل دقيقة في العلاقة بين الرئيس صدام حسين والدائرة الضيقة لصناعة القرار في بلاد الرافدين، وقال لي أحد كبار المعارضين العراقيين وقتها (صار رئيسا لوزراء العراق بعد الغزو) إن بغداد صارت مثل بيروت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي (أثناء الحرب الأهلية اللبنانية) مرتعا للجواسيس وأجهزة الاستخبارات الإقليمية والعالمية.
لم أندهش لتلك المعلومة وقتها، لأنني أدرك أن الدول ذات المصالح تحرص تمام الحرص على معرفة عمر الأنظمة التي تتعامل معها، ولا تكون سعيدة أبداً بأن نظاما سياسيا في بلد تهتم به وبمصالحها فيه، يسقط أو ينهار فجأة دون أن تضع خططا وسيناريوهات بديلة للحفاظ على مصالحها وارتباطاتها في هذا البلد.
لذلك، فإنني أعرف أن دولا أجنبية لم تعد تتساءل: (هل) سيسقط السيسي أم لا، بل إن السؤال الأكثر ترديدا في مراكز البحوث السياسية والاستراتيجية بل والدفاعية الغربية هو: (متي) سيسقط السيسي؟!!
هذه القناعة التي تنتشر بقوة في دهاليز مراكز صناعة القرار العالمية لم تنعكس على إحساس الثوار المصريين في الشوارع لأسباب عديدة، من بينها قيام أذرع الانقلاب الدعائية ولجانه الإلكترونية بتثبيط همم الجميع وإشعارهم بسطوة وقوة الانقلاب في السيطرة على الأوضاع الداخلية.
كما أن الأجهزة الأمنية لسلطة الانقلاب استخدمت ضد الثورة والثوار في مصر كافة أشكال البطش والقمع والتنكيل والسجن والتعذيب والاغتصاب، وكافة الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية وتعافها النفوس البشرية السوية، حتى توحي بسطوتها وقوتها وجبروتها ضد شعب أعزل لم يحمل السلاح بعد ليصد هذا العدوان والظلم.
مراكز الأبحاث الاستراتيجية ودوائر صناعة القرار تدرك تماما أن أهم مؤشرات سقوط النظام هو استخدام ترسانة النظام العسكرية (الجيش والشرطة) وأدواته التنفيذية مثل الحكومة والوزارات، وأدواته التشريعية التي تتولى استصدار القوانين المقيدة للحريات والتي تتصور أن بمقدورها ردع الثورة، وكذلك استخدام أذرع النظام القضائية والإعلامية وغيرها لتثبيت أركان النظام وردع خصومه عن الثورة ضده والإطاحة به.
وكل هذه المؤشرات تتوافر بوضوح في نظام عبدالفتاح السيسي الانقلابي.
وانطلاقا من تلك الحقيقة، يصبح من المشروع أن نتساءل: هل تشهد القاهرة صيفا ثوريا ساخنا خصوصا أن الذكرى الثانية لأحداث 30 يونيو و3 يوليو 2013 تقترب وسط حالة من التململ بل والغليان في صفوف عموم المصريين، نتيجة لعجز النظام الانقلابي عن تحقيق نتائج ملموسة سواء للمواطن المصري البسيط الذي ظن أنه بمجرد الإطاحة بالحكم الديمقراطي للرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي سوف تنهال أنهار السمن والعسل وسوف يعيش في بحبوحة ورخاء لا يقف بينه وبينها سوى حكم جماعة «الإخوان المسلمين»!!
وذهبت «سكرة» الدعاية الانقلابية وجاءت «الفكرة».. السيسي لم يحقق شيئا يذكر لتحسين مستوى معيشة المواطن العادي. نظام السيسي لم يقدم حتى الآن شيئا يذكر لشركائه في تنفيذ خطة الانقلاب على الشرعية. نظام السيسي لم يقدم شيئا يذكر لحلفائه الإقليميين الذين ساعدوه ماديا ومعنويا لتنفيذ خطة الانقلاب وكانوا بمثابة الركن الركين لسلطته الانقلابية بعد ذلك.
الدول الخارجية وأجهزتها الاستخباراتية تدرك جيدا أن ساعة الحساب حانت، وأن نظام السيسي الفاشل لن ينجح في هذا اختبار «يوم الحساب» من الشعب، قبل أن يقف بين يدي الله لحسابه على ما اقترفت يداه، لذلك فإن الجميع يعد خططه المستقبلية للتعامل مع الموقف الحالي في مصر، وعلى الثوار في الداخل والخارج أن يستعدوا أيضا.
الثوار على الأرض هم من سيحددون للجميع مساراتهم المستقبلية، وبعض من يرفعون مبادرات أو يقدمون حلولا توفيقية يقدمونها وعيونهم على الخارج، ماذا سيقبل الغرب وماذا سيرفض؟!
وفي تقديري، فإن هذا أمر خاطئ. فالثورة تضع مساراتها وفقا لرؤية الثوار على الأرض وبالتنسيق مع الكيانات الثورية الممثلة لها في الخارج، مثل «المجلس الثوري المصري»، و «البرلمان الشرعي»، والتحالف الوطني لدعم الشرعية في الخارج، وغيرها من الكيانات الأخرى.
ومن يتأمل لغة الجسد ونظرات العيون وتحليل مضمون الخطاب المسجل الذي ألقاه زعيم عصابة الانقلاب يوم الثلاثاء الماضي، يكتشف مدى حجم الأزمة التي يعاني منها النظام الانقلابي، خصوصا بعد أن أدرك أن داعميه الخارجيين بدؤوا ينفضون يدهم عن مساندته، ولم يتبق له سوى النظام الصهيوني في إسرائيل الذي يخدم مصالحه ويورط الجيش المصري في حرب خاسرة ضد أعداء الصهاينة من الشرفاء والمجاهدين في أرض الكنانة.
من الواضح أن مصر سوف تشهد صيفا سياسيا ساخنا، ربما لا يسقط خلاله الانقلاب العسكري، لكن المؤكد أن القادم أسوأ بالنسبة لنظام عبدالفتاح السيسي في القاهرة، والمؤشرات كثيرة في هذا الاتجاه.
الثورة تنضج في الشارع ضد نظام السيسي، وممارسات النظام تسرع عملية نضج الثورة، بحيث بات من المتوقع أن تبدأ درجات الحرارة السياسية ترتفع بالتوازي مع ارتفاع حرارة الجو في صيف القاهرة الساخن هذه الأيام.
التعليقات