واشنطن - حسين عبدالحسين: كل الحديث الاميركي عن تحقيق الانتصارات في الحرب ضد تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش)، من قول الرئيس باراك أوباما لدى استقباله رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي ان الطرفين يحققان «تقدما جديا» على الأرض، الى الخريطة التي اصدرتها وزارة الدفاع (البنتاغون) وحديث خبراء انها تخفي مدى تمدد التنظيم في العراق، الى حديث مسؤولي أوباما الدائم عن الانتصارات ضد «داعش» كما بدا في استعادة تكريت والاستعداد لاستعادة الموصل. كل هذه الاحاديث بدت وكأنها تكرّس «عدم واقعية» أوباما وكبار مسؤوليه في نظرتهم الى الشرق الاوسط وفي سياساتهم تجاه العراق خصوصا.
وكان بعض كبار معارضي الادارة، من امثال السناتور الجمهوري المخضرم جون ماكين، شنوا هجمات متكررة ضد ما اعتبروه انفصال الادارة الاميركية عن الواقع. ورغم العلاقة الجيدة التي تجمع ماكين بوزير الخارجية جون كيري، والتي تعود الى عقود تزامل فيها الرجلان في مجلس الشيوخ، إلا ان ماكين لم يتأخر في القول انه يعتقد ان كيري «احيانا يفسّر الاشياء كما يريدها ان تكون، لا كما هي في الحقيقة».
والجمعة الماضي، عقد احد المسؤولين في «البنتاغون» جلسة مع صحافيين، خصّصها للوضع العسكري في العراق. وسأل بعض الصحافيين عن التقارير المتواترة التي كانت تشير الى ان مدينة الرمادي، عاصمة محافظة الانبار غرب العراق، كانت في طريقها الى السقوط بأيدي مقاتلي التنظيم، الا ان المسؤول أصرّ على ان البعض يعملون على تضخيم هذا النوع من التقارير، وان الرمادي كانت آمنة من السقوط في ايدي «داعش». ومع حلول بعد ظهر الأحد الماضي، كانت اعلام التنظيم السوداء ترفرف فوق المباني الحكومية في الرمادي، وسط صمت اميركي مطبق.
وفي ردود الفعل الاولى للادارة الاميركية، ألقى بعض المسؤولين العسكريين باللائمة على عاصفة رملية سيطرت على الرمادي اثناء الهجوم، واعتبروا ان «داعش» تحيّن هذه الفرصة لأن العاصفة حجبت رؤية المقاتلات الاميركية وحيّدتها عن المعركة، ما يعطي مقاتلي التنظيم افضلية على القوات الحكومية.
وفي ردود اخرى، حاول المسؤولون الاميركيون التقليل من «الأهمية الاستراتيجية» للرمادي، رغم اعتبار كثيرين انه يمكنها ان تلعب دور مفتاح اي هجوم يمكن ان يقوم به التنظيم ضد بغداد او كربلاء.
ورغم محاولات التقليل من اهمية الرمادي، الا ان اسم المدينة يرتبط بالمخيلة الاميركية بأولى بوادر قلب الموازين العسكرية في العراق لمصلحة بغداد والقوات الاميركية في مواجهة «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين»، السابق لـ «داعش».
وكانت اولى التجارب الاميركية لتثبيت الأمن في العراق وتجنيد العشائر ومقاتليهم بدأت في الرمادي، وبعد نجاحها، عمدت القوات الاميركية الى تطبيق النموذج على عموم مناطق العراق الغربية والشمالية الغربية، ونجحت مع حلول العام 2008 في وقف حرب اهلية وفي خفض مستويات العنف في عموم العراق الى مستويات دون مستويات العام 2002، قبل بدأ الحرب الاميركية.
لهذه الاسباب، شكّلت خسارة الرمادي هزيمة معنوية للمعنيين الاميركيين، وراح بعض الخبراء يذكّرون بالقتلى الاميركيين في المعارك التي استعادت الرمادي من الارهابيين، قبل ان يتم تثبيت الامن فيها وتسليمها للحكومة العراقية المركزية. ومافاقم من الاحباط الاميركي تقارير «البنتاغون» عن ترك القوات النظامية العراقية كميات من السلاح والذخيرة الاميركية وراءهم في الرمادي، فوقعت هذه الاسلحة بأيدي مقاتلي «داعش».
وقال احد الخبراء ان «وقوع الاسلحة الاميركية بأيدي داعش هو دليل على ان العراقيين لم يستنفدوا ذخيرتهم قبل تنفيذهم الانسحاب، بل يشير الى ان القوات العراقية رمت سلاحها وفرّت مذعورة، وهو أمر محبط بالنسبة لمن يعمل على تدريبهم وتسليحهم».
وحاول المسؤولون الاميركيون القول ان سقوط الرمادي لا يعكس مجريات الامور، ولا يعني ان التنظيم لا يتراجع. كما قال مسؤولون آخرون ان التراجع في الرمادي هو بمثابة كبوة، وان الولايات المتحدة ستعمل مع شركائها العراقيين على استعادة هذه المدينة، الا ان المزاج الاميركي العام كان يشي بأن ما يقوله الاميركيون هو بمثابة تصريح لامتصاص النقمة، خصوصا الموجهة ضد الحلفاء العراقيين في بغداد وادائهم العسكري الضعيف. في هذه الاثناء، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» موقفا عن مسؤولين في «البنتاغون» يشي بأن موقف واشنطن من مشاركة ميليشيات «الحشد الشعبي» في القتال الدائر غرب العراق انقلب من معارض الى مؤيد.
وترك المعركة لـ «الحشد»، حسب خبراء اميركيين، هو بمثابة تسليم من ادارة أوباما بأنه بعد قرابة العام من الغارات الجوية التي يشنها تحالف مؤلف من اكثر من 60 دولة، حان الوقت لتسليم زمام الأمور الى ميليشيات «الحشد»، وهو سيناريو يشير الى نفاد الصبر الاميركي والى حماسة للخروج من العراق في أسرع ما يمكن، رغم المشاركة الضئيلة حاليا مقارنة بسنوات 2003-2010.
التعليقات