يحيى الجمل
في الخامس عشر من مايو من كل عام تحل ذكرى النكبة الفلسطينية والعربية الكبرى بقيام إسرائيل عام 1948. وحتى يوم الناس هذا الذي نعيشه لا يزال العدوان الإسرائيلي البشع على الأرض وعلى الحجر وعلى الضرع وعلى الزرع وعلى الثمر وعلى المسجد والكنيسة وعلى المسلم والمسيحي مستمراً بغطرسة بالغة وبغير انقطاع.
ونحن الآن في العام السابع والسبعين للنكبة وأمامي كتابان مهمان أهمية خاصة، عنوان الأول «ستون عاماً من الصراع في الشرق الأوسط». الأول عبارة عن حوار بين أ. د بطرس غالي وشمعون بيريز، والثاني كتاب لوزير الخارجية المصري المرحوم إسماعيل فهمي بعنوان «التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط».
وقد جاء في مقدمة الكتاب الأول: صدرت كتب كثيرة عن الصراع العربي الإسرائيلي، ولكن هذا الكتاب بغير سابقة تاريخية، فلم يحدث من قبل أن قرّر رجلان من رجال السياسة الكبار، مازالا يتوليان مناصب مهمة، وخصمان في صراع هما فيه طرفان، أن يلتقيا من أجل القيام معاً بزيارة جديدة للتاريخ الذي اشتركا في صنعه. بطرس غالي، سكرتير عام الأمم المتحدة السابق، تولى منصب وزير الخارجية المصرية في عهد الرئيس أنور السادات، وفي عام 1977 رافقه في زيارته إلى القدس.
ثم كان في وقت لاحق، وفي مواجهة موشيه دايان، أحد المفاوضين الأساسيين في اتفاقية كامب ديفيد.
أما الكتاب الثاني الذي كتبه المرحوم إسماعيل فهمي وزير الخارجية الأسبق، فقد يحسن أن أورد هنا بعض كلمات من المقدمة التي كتبها عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية ووزير خارجية مصر السابق – حيث قال عن فهمي «لقد بدأت بتولي إسماعيل فهمى وزارة الخارجية مرحلة جديدة مختلفة نوعياً عما كان قبلها. كان يريد منذ الدقيقة الأولى أن يعيد وزارة الخارجية لتكون وزارة ذات مهنية عالية وليست وزارة تقدم فرصاً للسفر أو للسياحة أو غير ذلك من نوافل الحياة».
وأشهد من خلال الفترة القصيرة التي شرفت فيها بزمالة إسماعيل فهمي عندما كان هو وزيراً للخارجية وكنت أنا وزيراً للتنمية الإدارية ولشؤون مجلس الوزراء في وزارة د. عبد العزيز حجازي وتركت الوزارة وعدت إلى الجامعة واستمر فهمي إلى أن استقال عندما قرّر السادات السفر إلى القدس.
ورغم أهمية الكتابين فقد قرأت خبراً في بعض الجرائد العربية يتحدث عن أنه لا تزال هناك خلافات بين بعض الفصائل الفلسطينية، وقد أزعجني هذا الخبر، وإن كنت واثقاً أن غالبية الشعب العربي في فلسطين تدرك جيداً حجم النكبة، وتتمسك بحق العودة وبحل الدولتين، وهو الحل الذي يبدو أن الغالبية من دول العالم بدأت تراه الوحيد، وإن جرى الخلاف حول موضوع القدس وكونها عاصمة دولة فلسطين عندما يسمح الطغاة والنازيون الجدد - أعني إسرائيل – بقيام دولة فلسطين.
والذي يقرأ هذين الكتابين المهمين – وهما جزء من عديد من المراجع في مكتبتي الخاصة عن الصراع العربي الإسرائيلي – يدرك مدى تعقد القضية ومدى التباعد في وجهة النظر بين وجهة النظر الفلسطينية العربية التي تقوم على منطق الحق والعدل ووجهة النظر الإسرائيلية التي تقوم على منطق القوة والغطرسة والاستعلاء، وفي أحسن الظروف على مقولات للعهد القديم لم تتأكد صحتها الواقعية أو التاريخية وأيضاً وهذا هو المهم الآن على التحالف الأميركي الإسرائيلي، والذي يهدف إلى إبقاء إسرائيل القوة النووية الوحيدة في المنطقة، والذي يهدف إلى أن تبقى إسرائيل أقوى من كل جاراتها العربيات، وفي استمرار مفاوضات لا تبدأ إلا لتنتهي من دون أن نحقق أي نتيجة.
ونتساءل منذ متى بدأت المفاوضات وماذا حققت حتى الآن؟
لا شيء لأن منطق القوة هو الذي يسود لا منطق العدل.
وما دام المجتمع الدولي بتركيبته الحالية، وما دام الوطن العربي على ما هو عليه من تشرذم، فإنه لا أمل في حل قريب للصراع العربي الذي يبدو أنه بغير نهاية.
ولا حول ولا قوة إلاّ بالله. والله المستعان.
التعليقات