مشاري الذايدي

ليس غريبا على أي جماعة تكفر غيرها وتحمل السلاح أن تكون شراستها تجاه المنشقين من أعضائها أضعاف شراستها مع الخصوم. فوق الاعتقاد الداخلي الجارف بامتلاك الحقيقة والتفويض الإلهي - وهذا وحده محفز خطير للاستباحة - هناك أيضا الغرض الدعائي من مثل هذه التصرفات، وهو تحقيق الردع والتخويف، لمن تحدثه نفسه بالتمرد على الجماعة أو حتى الانسحاب الهادئ عنها، وأيضا تشويه الخصم البعيد، من خلال وصم هؤلاء الجنود المتمردين بأنهم جواسيس لحساب خصم الجماعة. وهو السعودية هنا. في 17 يونيو (حزيران) الحالي قام تنظيم القاعدة باليمن بإعدام سعودِيَّيْن رميًا بالرصاص أمام حشد كبير من سكان مدينة «المكلا» الجنوبية، وميناء حضرموت.
&

مشهد الإعدام، شاهده كثيرون، إذ تم جلب الشابين السعوديين، مساعد الخويطر، وفارس المطيري، لساحة الكورنيش في المكلا، وهي ساحة عامة للنزهة، ثم تلي بيان وُصف فيه الشابان بالعمالة، وأنهما السبب في مقتل قائد التنظيم ناصر الوحيشي بغارة أميركية، وقبله القيادي السعودي الربيش، ثم قاموا بإطلاق النار عليهما، وتعليق جثمانيهما على جسر، للتخويف. هذا الأسلوب ليس جديدا، وليس خاصا بتنظيم القاعدة اليمني، فمثلهم يفعل وبغزارة تنظيم داعش في العراق وسوريا، ويعدم من الفصائل «المتطرفة» حتى أضعاف ما يعدم من جنود النظام، و«النصرة» تفعل مثل ذلك، وفي كثير من الحالات يكون الضحايا من السعوديين. كما صار في 27 مارس (آذار) 2014 حين أعدمت النصرة شابين سعوديين.


بالنسبة إلى ما جرى في اليمن فقد كانت التهمة للخويطر والمطيري هي أنهما عميلان للسعودية ولأميركا، بينما تقول تقارير صحافية نقلا عن عائلة مساعد أنه كان يريد، في آخر مكالمة هاتفية، ترك «القاعدة» والعودة إلى البلاد، وأنه غير مقتنع بنهج القاعدة في اليمن، لأسباب، منها عزوف «القاعدة» عن محاربة الحوثي.


تقرير «العربية» أشار إلى أن هذا الإعدام في المكلا ليس الأول، ففي سبتمبر (أيلول) 2009 قتل محمد عبد الرحمن الراشد وسلطان الراضي العتيبي وفهد صالح الجطيلي، جراء ما قيل إنه قنبلة كانوا يعدونها والثلاثة كانوا من المدرجين في قوائم المطلوبين، والسبب الحقيقي لقتلهم هو نيتهم الانشقاق عن تنظيم القاعدة. المعلومات المؤكدة أن مساعد الخويطر كان متشبعا بفكر «القاعدة»، وناشطا ضمن صفوفها، خصوصا في النشاط الإعلامي، وسبق سجنه في السعودية بسبب تلك الأنشطة.


والمؤكد أيضا أن الشابين مجرد ضحايا لمكر سياسي دعائي قاعدي، لتخويف من يريد البعد عنهم، أما حكاية جواسيس السعودية فهي حكاية قديمة ومكررة، من أيام «الموجة الثانية» في «الجهاد الأفغاني»، وأخبرني الثقة أنه قد اتهم كثير من المنخرطين في هذه الجماعات، حينذاك، بأنهم عملاء وجواسيس للسعودية، بينما هم مجرد سذج يؤمنون فعلا بفكر «القاعدة»، بحماسة، سرعان ما تتبخر، وحتى يتم تبرير قتلهم تلصق بهم هذه التهم. عملية اختراق الإرهابيين ليست بالسذاجة التي يتخيلها قتلة «القاعدة» و«داعش».. ولكنه العجز وقلة الحيلة، كما قال لي العارف.