كمال بالهادي
لم تكن العملية التي استهدفت أحد أهم المنتجعات السياحية في مدينة سوسة التونسية، مجرّد عملية إرهابية بسيطة، بل كانت عملية نوعيّة بحسب تصريحات المسؤولين الأمنيين، في طريقة تنفيذها وفي النتائج التي استتبعتها.
يبدو أن التهديدات التي تطلقها الجماعات المتطرفة باستهداف تونس لم تبق مجرّد تهديدات كلامية، فهي سرعان ما تتحول إلى أفعال إجرامية يتسارع نسق تنفيذها وتؤول إلى نتائج أكثر دموية في كل مرة. في الآونة الأخيرة جدت عملية إرهابية كانت نوعية أيضاً، إذ اقتحم إرهابي مركزاً للأمن وأطلق النار ثم لاذ بالفرار. وهي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف مقر أمني في قلب إحدى المدن. وبعد أيام يتمّ ضرب قلب السياحة التونسية وهي مدينة سوسة التي تعتبر إحدى أهم المناطق السياحية في تونس.
ما يثير الاهتمام في هذه العملية، هو كونها كان مخططاً لها بشكل احترافي حتى يوقع العدد الأكبر من الضحايا، وبالتالي تكون النتائج أكثر وقعاً على أهم قطاع استراتيجي في الاقتصاد التونسي. فاستهداف «إمبريال» لم يكن صدفة، بل هو نتيجة معرفة مسبقة بهذه السلسلة التي تكون في أغلب الأحيان مخصصة للأجانب وغير مختلطة بالعرب، أو حتى من السياح التونسيين. وهو ما يعني أن المستهدف هو السياح الأجانب وليس المدنيين التونسيين أو غيرهم من الجنسيات العربية. وفي هذا تخطيط مسبق، فكأن هذه الجماعات لا ترغب في فتح مواجهة مع المدنيين، بل تقتصر ضرباتها على قوات الأمن والجيش، باعتبارهما القوات المسلحة في البلد، وكذلك استهداف عصب الاقتصاد التونسي وهو قطاع السياحة الذي يشغل نحو 400 ألف عامل ويحقق مداخيل سنوية تقدّر بنحو 20 في المئة من جملة مداخيل الاقتصاد التونسي.
وكان هذا القطاع يحقق في سنوات ما قبل الثورة نحو مليار دولار سنوياً، وينافس أهم الدول السياحية في جنوب المتوسط مثل مصر والمغرب، وحتى دول ضفاف شمال المتوسط، كإيطاليا وإسبانيا. لكن هذا القطاع بدأ يشهد سلسلة تراجعات كبرى منذ سنة 2011 حين فقد القطاع السياحي نحو خمسين في المئة من قيمة المداخيل ومثلها من حيث عدد السائحين. تراجع أكّده البنك المركزي التونسي الذي أشار في تقرير نشره نهاية شهر مايو/أيار الماضي إلى أن الانتعاشة النسبية التي شهدتها السياحة التونسية في سنتي 2013 و2014، شهدت انتكاسة في الأشهر الخمسة الأولى من السنة الحالية حيث بلغت نسب التراجع ما يزيد على العشرين في المئة. فمنذ الاعتداء على متحف باردو في شهر مارس/آذار المنقضي، والعاملون في القطاع السياحي يؤكدون أنهم يواجهون صعوبات حقيقية في استقدام الأجانب، بل إن بعضهم يشير إلى سنة «بيضاء». وقد كانت العملية الإرهابية الأخيرة هي العاصفة التي دمرت ما تبقى من آمال في إنقاذ الموسم السياحي الذي يبلغ ذروته في فصل الصيف. وما يزيد في تعقيد الوضع هو أن القطاع السياحي لم يراهن منذ إنشائه على السياحة الداخلية أو الإقليمية، بل كان متجهاً في أغلبه إلى الأسواق الأوروبية. ولذلك تكون مثل هذه الضربات موجعة ومؤثرة بشكل مباشر وعميق.
العاصفة الإرهابية التي تضرب السياحة التونسية، لا تكمن فقط في هذه العمليات المباشرة التي استهدفت أحد أضخم المنتجعات السياحية في البحر المتوسط، فكل عملية تضرب الجنود أو المؤسسة الأمنية تتلقفها وسائل الإعلام الدولية وتعطي مؤشرات سلبية عن الوضع الأمني في تونس، وهو ما يرتد سلباً على السياحة. وما يثير قلقاً حقيقياً بشأن المستقبل، هو التوجه الجديد للإرهاب في تونس، الذي أصبح يتخذ المدن ساحة حربية مع قوات الأمن والجيش، وبطبيعة الحال سيكون الوضع أكثر خطورة في المواقع السياحية. خاصة في ظل وجود مؤشرات سلبية عن الحرب المفتوحة ضد الإرهاب في تونس. بريطانيا تحذر من هجمات دموية في تونس في قادم الأيام، ومصادر أمنية جزائرية تشير إلى إمكانية حدوث عمل إرهابي في قلب العاصمة، لكن الأغرب هو تصريح لوزير الداخلية التونسية عن وجود ثغرة أمنية مفتعلة سمحت بتنفيذ عملية سوسة. ومثل هذه التصريحات تثير الريبة حول من يتحكم في المشهد الأمني في تونس، إن أضفنا إلى ما سبق تصريح جديد لوزيرة السياحة سلوى اللومي قالت فيه إن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا لا تمنع مواطنيها من القدوم إلى تونس، لكنها تشترط المشاركة في التحقيقات بشأن الحادثة الأخيرة التي استهدفت نزل إمبريال.
سيكون على السلطات التونسية أن تقوم بإجراءات كثيرة حتى تستطيع ترميم ما هدمه الحادث الإرهابي، فالقطاع السياحي يعاني مديونية ضخمة، وبلغت خسائره حسب الجامعة التونسية للنزل، نحو 600 مليون دينار تونسي، أي ما يعادل 300 مليون دولار، قبل الضربة الإرهابية في سوسة. وستكون شركة الخطوط التونسية، الناقل الجوي الحكومي، أكبر متضرر من تراجع السياحة، وهي التي تعاني ضائقة مالية ما فتئت تتزايد من سنة إلى أخرى. القرارات السرية بنشر 1000 شرطي مسلح على طول السواحل التونسية، من قوات الأمن السياحي، يعد خطوة في المسار الصحيح، لكن هناك عدة إجراءات فورية يجب اتخاذها لإنقاذ الموسم السياحي، أولها المراهنة على السوق الداخلية من خلال إقرار تخفيضات استثنائية، وتشجيع السياح من الجزائر وليبيا على ارتياد الوحدات الفندقية، فالسوقان الجزائرية والليبية كانتا في سنوات الأزمات هي خير بديل للأسواق الأوروبية. هذه إجراءات عاجلة يجب الإقدام عليها حتى لا يكون مصير 400 ألف عامل في القطاع السياحي في مهب الريح، ويكون عشرات الآلاف من العاملين في القطاعات الخدماتية والصناعات التقليدية في مصير لا يحسدون عليه. أما من الجانب الأمني فيبدو أن اللعبة دخلت منعرجاً جديداً يستوجب عملاً يستهدف اقتلاع الإرهاب من جذوره هذه المرة.
التعليقات