هشام ملحم
طوال 20 شهراً، فاوضت ايران الدول الست الأقوى في العالم وتوصلت الى اتفاق تقني سوف يفرض قيوداً على برنامجها النووي لفترة تراوح بين 10 و15 سنة في مقابل رفع تدريجي لمعظم العقوبات المفروضة عليها، الامر الذي سيفرج عن عائداتها المالية المجمدة والتي يمكن ان تصل الى 150 مليار دولار. وهذا الاتفاق كما يلبي المطالب الانية للدول الست بتجميد البرنامج النووي الايراني في المستقبل المنظور، كما يلبي المطلب الاني لايران: وهو اعفاؤها من العقوبات وتسلمها عائداتها. والايرانيون محقون الى حد كبير عندما يعتبرون الاتفاق انتصاراً لهم، لانه أبقى معظم البنية التحتية النووية، وحتى خلال تطبيقه سوف تواصل ايران تطوير قدراتها العلمية وزيادة عدد علمائها. وفي ثقافة قديمة تقيس تاريخها بالالفيات والقرون، يعتبر تجميد أي برنامج عشراً او خمس عشرة سنة لحظة عابرة.
لكن الاتفاق هو اكثر بكثير من اتفاق تقني، ويجب اعتباره بداية عودة ايران من الصقيع السياسي الذي وجدت نفسها فيه منذ 36 سنة بسبب سياساتها وردود الفعل الاقليمية والدولية على هذه السياسات. الاتفاق هو اعتراف ضمني من أهم دول العالم بان ايران هي دولة محورية ولا يمكن تجاهل نفوذها السلبي والايجابي بسهولة، وهذه حقيقة تعكسها دائما تصريحات الرئيس أوباما.
صحيح ان المفاوضين الاميركيين والايرانيين كانوا دوماً يشددون على فصل البرنامج النووي عن القضايا الخلافية الاخرى – دور ايران السلبي في المشرق العربي واليمن - الا ان الواقع هو انه بعد نحو سنتين من المفاوضات والتواصل المباشر بين الوزيرين كيري وظريف بات هناك فهم افضل لمنطلقات كل طرف وتوقعاته، وهو أمر تزامن مع وجود تعاون ضمني وغير مباشر بين الطرفين ضد عدو مشترك هو "داعش". في مقابلته مع "النيويورك تايمس" عقب توقيع الاتفاق تحدث أوباما عن الحضارة الايرانية وأهميتها، واعترف بأن الايرانيين احترموا توقيعهم على الاتفاق الموقت، وقال: "ما تعلمناه هو انهم يلتزمون وثيقة موقعة".
اوباما ومساعدوه يتوقعون ان يكون الاتفاق بداية عودة ايران الى الاقتصاد العالمي، الأمر الذي سيقوي الطبقة الوسطى في هذا البلد التي تريد الانفتاح على الغرب واسواقه وجامعاته. أوباما كرر القول إن هناك "اصواتاً مختلفة داخل ايران" وان بعضها قد لا يكون منسجماً كلياً مع مواقف أميركا، لكن هذا يعني ان هناك من يمكن ان يتبع أساليب أفضل من الأساليب المتبعة حتى الآن.
اذا طبقت ايران الاتفاق دونما عقبات كبيرة، سوف نرى عودة الديبلوماسيين ورجال الاعمال الغربيين الى طهران. الاتفاق النووي، هو الخطوة الرئيسية الأولى في رحلة
الالف ميل الصعبة لعلاقات طبيعية بين الولايات المتحدة وايران.
التعليقات