&مطلق بن سعود المطيري
عزاؤنا بفقد سعود الفيصل يكمن بمواقفه القابلة للاستمرار السياسي المؤثر لعقود قادمة، فوزير خارجية المملكة الاستثنائي لم يكن موظفا ماهرا ينفذ التوجهات ويحافظ على مسارات تطبيقاتها، ولكن هو التوجه ذاته فأينما كان كانت السياسة ومواقفها، أعطتنا صفقة الاسلحة الروسية الاخيرة المرسلة للمجرم بشار الاسد موعدا مفيدا مع مواقف سعود الفيصل التي كانت الجامعة العربية في قمتها الاخيرة في شرم الشيخ مسرحا لها، حيث قاطع فقيد الدبلوماسية خطاب الرئيس الروسي الذي بعثه للقمة، معترضا على عمومياته في الارهاب والربيع العربي والقضية الفلسطينية، ليحاصره في القضية السورية ويضع الرئيس الروسي امام افعاله التي تسببت في مأساة الشعب السوري.. فأخرجه بدهاء سياسي من صداقة العرب التي سعى اليها بمواقف مؤلمة لا تخفف من وطأتها الخطابات الانيقة في رسمها، الى حيث وضعت روسيا نفسها معطلة لحل الازمة السورية وفاتحة ابواب اسلحتها لهلاك الشعب السوري.
في الازمة السورية كانت روسيا لا بعدها ولا قبلها، فهي من جهز وأعد مشهد الازمة السورية ليتناسب مع قوتها ومعرفتها لادارتها بالكيفية التي تريد، حيدت مجلس الامن باربعة استخدامات لحق الفيتو، واهلكت جهود المعارضة السورية من جنيف الى جنيف 2 الى ان اصبحت المعارضة تتطلع لتسديد حجوزات الفنادق التي تلجها وتتفاوض في ردهاتها، مسحت خطوط اوباما الحمراء التي تعهد بها واقسم بشرف واشنطن للحفاظ عليها، وانتهك الدب الروسي قسمها .. ووجهت سيد البيت الابيض للتفاوض حول برنامج طهران لعله يجد به بعض الشرف المفقود، فمنعت أي جهد سياسي يتعامل مع الازمة السورية كأزمة سياسية وانسانية ضحيتها شعب يشرد في القبور والبحور، فقالت كلمتها النهائية الازمة بين جماعات ارهابية ونظام شرعي، ولا مدخل على الازمة الا من خلال هذا المدخل..
الموقف الروسي من الازمة السورية لا يحدد مستقبل الشعب السوري بل من ورائه الشعب العربي، فالشراكة مع طهران لم تكن على ما سوف يفرج عنه من اموال بعد الاتفاق النووي بل مواقف تتعدى ذلك، تبدأ بالعراق وتمر بسورية ولبنان الى ان تصل للاتفاق النووي الايراني، فطهران كانت تفاوض بقوة روسيا وبشرف تحالفها معها، وليس بتأثير برنامجها النووي شبه المعطل بفعل العقوبات الدولية، الشيء الذي جعل من الاتفاق بالنسبة لطهران خيارا إن نجح فقد يساعدها في ازمتها الاقتصادية، وإن خسر فلن يعطلها عن تنفيذ سياستها التوسعية في المنطقة وذلك بسبب الدعم الروسي لها، فالدبلوماسية الروسية تعاملت مع واشنطن كشركة بترول لا اكثر تريد ان تحافظ على مكاسبها وتجتهد في ترميم خسارتها، ومنذ بداية الازمة السورية وضعت موسكو واشنطن داخل دائرة حمراء لا تتحرك الا بداخلها ولا تستطيع تجاوزها، وقد استحسنت واشنطن ذلك العمل، ولتؤكد لموسكو قناعتها بما تعمل هذه الاخيرة قدمت كل ما تستطيع من قوة لنجاح الاتفاق النووي الايراني ولتبرهن ان قضايا الشرق الاوسط لم تعد ذات اولوية لديها، هكذا تريد موسكو وهكذا عملت واشنطن، لذا كان اعتراض سعود الفيصل غفر الله له على خطاب بوتين في القمة العربية درساً للتاريخ إن التزمنا به نجحنا، وإن فقدناه سوف ندخل دائرة واشنطن الحمراء التي رسمتها لها موسكو.
التعليقات