محمد كعوش
قادة اسرائيل اصدقاء للزمن، يراهنون عليه، على امل ان يخلصهم من قلقهم الوجودي، ويشفيهم من معاناة الاحساس الدائم بانهم قوة احتلال، وهم بالتالي يعتقدون ان قوتهم العسكرية قادرة على حماية ديمومة اسرائيل، كما هي قادرة على الوصل ما بين حاضرالدولة اليهودية ومستقبلها.
بالمقابل نرى أن الامة العربية بكل طوائفها واطيافها تشعر باطمئنان كامل تجاه حركة الزمن، فهي في الواقع لا تراهن على الزمن، ولكنه لا يقلقها ولا يخيفها، لأنها على قناعة بان انعطافات مفاجئة تاريخية كبرى تحدث في مسيرة دورة عقارب الساعة، وهي انعطافات قادرة على التأثير في مسيرة الاحداث ونتائجها، وهي قادرة على قطع الوصل ما بين حاضرالامرالواقع الاسرائيلي وبين المستقبل المتخيل للدولة العبرية، على غرار ما حدث في حرب تشرين 1973 على الجبهتين المصرية والسورية، والعدوان على لبنان في تموز 2006، وصمود قطاع غزة الاسطوري مرتين في مواجهة الغزو الاسرائيلي.
واسرائيل الواهمة القلقة، التي راهنت على الزمن، لا تزال تبحث عن اللحظة لاقتناصها والتقاطها بغباء، ساعية الى تكريس وجودها وتنشيط حركة توسعها من خلال الاستيطان والتهويد وضم القدس. كما أن قادتها الغارقون في تطرفهم وعقيدتهم اليمينية المتشددة، العالقون في وهم الخرافة، يسعون الى توظيف الحالة الطارئة الملتهبة في اللحظة العربية الراهنة، واستثمارالجروح والقروح المنتشرة في جسد الامة العربية، التي ظهرت نتيجة الاقتتال الاهلي في حروب مصطنعة مدعومة ومدارة من الخارج، من اجل تحقيق بعض اهدافهم، باستحضار العامل الديني ايضا، ومن خلال التحريض على اشعال حرب دينية، مقدمتها اقتحام الاقصى والاعتداء على المقدسات الاسلامية والمسيحية التي هي برعاية وحماية هاشمية وادارة اردنية.
وما يحدث في مشهد القدس اليوم، من اعتداء على المصلين واستباحة الاقصى، يشبه الى حد كبير الممارسات المتعصبة المتشددة لتنظيم داعش ضد الطوائف الاخرى والحضارات القديمة في سوريا والعراق، وهو السلوك الجريمة الذي ادخل العالم في حالة من الصدمة وقادت دوله الى اعلان الحرب على الارهاب، في حالة من التفاوت في صدقية الموقف. ما يحدث اليوم في الاقصى هو سلوك ارهابي مبعثه التطرف والتشدد والتعصب الديني. فالقوات الاسرائيلية تحاول فتح الطريق امام المتطرفين اليهود لاقتحام الاقصى وتقسيمه وخلق امر واقع جديد.
العدوان الاسرائيلي الجديد على الاقصى، واستباحته بدخول الجنود والمسلحين المتطرفين الى ساحاته، وتحطيم نوافذه وابوابه التاريخية القديمة، والاقتراب من منبر صلاح الدين، يراد منه اختبار مدى قدرة الاردن على الالتزام برعاية وحماية المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، وفي وقت انشغال الامتين العربية والاسلامية بالحرب على الارهاب. صحيح ان الاردن منشغل، على الصعيدين الامني والسياسي، في حماية حدوده وسلامة اراضيه ومواطنيه وتحصين الداخل في مواجهة زحف الارهاب وتوسعه في كل الاتجاهات من حولنا، ولكن اسرائيل الغارقة في عزلتها، تجاهلت حقائق كثيرة عندما اقدمت على تنفيذ مخططها الاحمق.
الحكومة الاسرائيلية اليمينية الواهمة، حاولت ان تتذاكى في اختيار الوقت لاستباحة الاقصى، ولكنها تناست ان لدى الاردن من الرصيد السياسي وحرية الحركة على الصعيدين العربي والدولي، وامتلاكه قوة الخيارات وكثرتها، ما يكفي لردعها وافشال مشروعها التهويدي، واسقاط خططها المشبوهة المبنية على التعصب الديني. وفي موقف الملك عبدالله الثاني المعلن من التطورات الاخيرة، وبيانات الحكومة الاردنية، رسائل غاضبة واضحة تتجاوز اسوار القدس، يفهمها كل من يعنيه الامر في اسرائيل.
التعليقات