كمال بالهادي

لم يستطع الفرقاء الليبيون أن يجتمعوا على كلمة واحدة، فهم كلّما اقتربوا من الحل، إلا وخرج أحد الأطراف المشاركة في المفاوضات عن السرب ليعطّل الوصول إلى اتفاق سلام يحفظ وحدة ليبيا وشعبها ويجمع شتات الفرقاء في مواجهة خطر الدواعش الذين ينتشرون على الأرض الليبية ويعملون على تقوية شوكتهم في غياب الدولة الليبية.

هناك محاولات محمومة لعدم تأخير الوصول إلى اتفاق نهائي، وهناك رغبة من الأطراف المشرفة على حوار منتجع الصخيرات، في أن تكون نهاية شهر سبتمبر/ أيلول هي الموعد الأخير الذي سيقع فيه توقيع اتفاق سلام نهائي بين الفرقاء الليبيين، والذي سيمكن من انتخاب حكومة جديدة وانتخاب برلمان جديد والتصويت على دستور البلاد الذي سيقر المؤسسات الدائمة للدولة الليبية الجديدة.

هناك جملة من الضغوطات التي تسلّط على مفاوضات الصخيرات، وهذه الضغوطات هي التي تعطّل توصّل الليبيين إلى حلول مرضية، وهناك ضغوط دولية في الجهة المقابلة لم تعد تقبل تواصل الوضع في ليبيا على ما هو عليه من انعدام مؤسسات الدولة. ويمكن إيجاز هذه الوضعيات في جملة من النقاط التالية:

- هناك أطراف مستفيدة من الانفلات الحاصل في الدولة الليبية، وكلما تواصل اندثار الدولة استطاعت هذه الأطراف أن تحقق مكاسب على الأرض، وأن تبني قوتها وتوسع نفوذها، مستفيدة من تجارة النفط وتهريبه ومستفيدة من كل أنواع التجارة غير القانونية التي أصبحت ليبيا مرتعا لها وأهمها الاتجار في السلاح والاتجار في تهريب البشر وطبعا تجارة المخدرات. أثرياء الحرب الجدد في ليبيا استطاعوا أن يشكلوا «مافيات»، وهذه الأخيرة تمكنت من أن تكتسب نفوذا يمكنها من التدخل في القرار السياسي للأحزاب، ولذلك نرى أن المشاركين في مفاوضات الصخيرات، يتوصلون إلى حلول مقبولة، ثم يتراجعون عن تلك الاتفاقات من دون حجج مقنعة، مما يطرح أكثر من سؤال حول الجهة الحقيقية التي تتحكم في الشأن الليبي في بعض المناطق على الأقل.

- الوضع الاقتصادي الليبي، تدهور إلى أقصى حدّ وهو ما يؤشّر إلى تفاقم الوضع الاجتماعي لمجتمع لم يتعوّد أن يعيش أوضاع الفقر. يجمع خبراء الاقتصاد الليبيون على أن الوضع في بلادهم أصبح كارثياً نتيجة جملة من العوامل أهمها انهيار العملة المحلية، وتراجع مكاسب النفط نتيجة انخفاض سعر البرميل منذ سنة 2014، إضافة إلى تهريب البترول الذي يجعل الدولة الليبية تخسر الكثير من مواردها، خاصة أن النفط يمثل 95 في المائة من مداخيل الدولة.

برناردينو ليون المبعوث الأممي لليبيا قال إن «ليبيا على حافة الانهيار الاقتصادي». أما المركزي الليبي فقد شدّد في الفترة الماضية القيود على عمليات السحب خاصة من العملة الأجنبية، التي يبدو أنها تآكلت، وتدفع طرابلس إلى العجز عن تأمين حاجياتها من الواردات. إذ تنفق ليبيا سنوياً ما يزيد على 40 مليار دولار على وارداتها من مختلف السلع. المركزي الليبي يقول إن إيرادات النفط أصبحت لا تكفي لسداد أجور الموظفين لنصف شهر فقط، أما العجز في الميزانية، فقد ناهز أربعة مليارات دولار.&

- ظهور تيارات مدنية واجتماعية أصبحت تضغط باتجاه دفع الفرقاء إلى الاجتماع على كلمة واحدة وتصفية خلافاتهم. هذه التيارات ورغم أنها مازالت ضعيفة وغير مؤثرة بالشكل الكامل، غير أن صوت هذه التيارات صار مسموعاً دولياً، وهي تعبر عن سأم المواطنين الليبيين من استمرار حالة الانفلات الأمني ومن حالة غياب الدولة. هذه النخب المتعلمة، تعتبر أنّ الشعب الليبي يستحق حياة أفضل وهو يملك كافة الإمكانات المادية والبشرية والجغرافية أيضاً لبناء دولة عصرية ومتقدمة.

- وجود الخطر الداعشي الذي لا يمكن الصمت عليه أكثر لأنه قد يصعب في الوقت القريب الانتصار عليه واجتثاثه من الأرض الليبية.&

غير أنّ هذه الضغوطات التي يمكن اعتبارها إيجابية بمعنى أنها تدفع السياسيين دفعاً إلى التوافق، تواجه جملة من العقبات، فالشأن الليبي منذ بدايته لم يكن شأناً محلياً صرفاً بل تدخلت فيه العناصر الخارجية بنسبة أكبر من العوامل الداخلية. وذلك فإن المواقف الدولية من الوضع الليبي يمكن تصنيفها إلى ثلاث مواقف:&

-الأول ينبني على أن هناك أطرافا دولية تدير «معركة مفاوضات الصخيرات» من الخارج وهي ترى فيها سباقاً نحو السلطة لا تصحيحاً لوضع غير طبيعي في ليبيا، بمعنى آخر في هذه المفاوضات حلبة صراع مع أطراف دولية أخرى والمنتصر هو الذي سيضمن حكومة موالية له ولمشاريعه في ليبيا وفي المنطقة. ومن هنا يصبح المفاوضون الليبيون كأنهم يمثلون حلفاءهم الخارجيين قبل أن يكونوا ممثلين لمصالح الشعب الليبي أولاً وأخيراً.

- الموقف الثاني، ينبني على وجود مجموعة من الدول، تنأى بنفسها عن المشهد الليبي بعد أن كانت قد تدخلت فيه ومباشرة في الأيام الأولى للحراك الشعبي. وهنا يمكن أن نرصد المواقف الغربية، التي ظلت ترصد تنامي تنظيم داعش في ليبيا من دون أن تحرك ساكناً، وظلت ترصد تناحر الميليشيات دون أن تتدخل ودون أن تضغط باتجاه وضع حد لحرب أهلية في بلد مسالم.&

- الموقف الثالث، يُعدّ متقدما جدّا، وفيه تظهر مسؤولية الأطراف الإقليمية والدولية وهي ترغب في وضع حد للحريق الليبي، وتضغط على المتنازعين من أجل الوصول إلى حلول نهائية تعيد الاستقرار للدولة المغاربية.

خلاصة القول، إن تعقّد مسألة المفاوضات في منتجع الصخيرات، يعود إلى تداخل كل هذه العناصر وتشابك مصالح الأطراف المتنازعة داخلياً وخارجياً. غير أن كلّ هذه العوائق، لن تحول في نهاية المطاف دون أن يتوصل هؤلاء الفرقاء إلى حلول وإلى اتفاق ينهي الأزمة. الليبيون هم وحدهم من باستطاعتهم الحفاظ على وحدة أرضهم ووحدة شعبهم، وغير ذلك لا يمكنهم الحفاظ على ليبيا، التي يقولون إنهم دفعوا دماءهم من أجل تحريرها من نظام دكتاتوري.