هشام ملحم

منذ أن بدأت روسيا نشر قوات خاصة مدعومة بطائرات حربية وتوسيع منشآت عسكرية في اللاذقية والمسؤولون الاميركيون يتساءلون علناً ويستوضحون المسؤولين الروس المعنى الحقيقي لنيات موسكو. في البداية احتج الاميركيون وقال وزير الخارجية جون كيري إن الحشود تزيد الوضع تأزماً، وعندما اقترحت موسكو اجراء محادثات عسكرية في شأن الأوضاع في سوريا، وافقت واشنطن وناشدت روسيا التعاون معها ضد "الدولة الاسلامية" (داعش). وقبل يومين، قال كيري إن الحشود الروسية، وفقاً للتقويم الأولي للاستخبارات الأميركية، هي لحماية القوات الروسية.

هذه التطورات تبيّن بشكل نافر مدى إخفاق إدارة الرئيس أوباما في سوريا، ومدى نجاح روسيا في الأشهر الأخيرة في فرض نفسها لاعباً رئيسياً ليس فقط في سوريا والمنطقة، بل أيضاً في أوروبا. الرئيس فلاديمير بوتين عبر هذه الحشود قضى على أي بحث جدي في إقامة مناطق آمنة في سوريا. وهو سيطرح قريباً مبادرة في الامم المتحدة لبناء تحالف دولي جديد في سوريا لمواجهة "داعش" يكون نظام الأسد في صلبه وسيدعو واشنطن ودول العالم للمشاركة فيه. والحرب في سوريا، التي ساهمت موسكو في اطالتها من طريق دعمها لنظام الأسد، أوجدت مشكلة لاجئين في أوروبا. الآن يطرح بوتين نفسه طرفاً أساسياً لأي حل في سوريا، وتالياً لأي حل بعيد المدى لأزمة اللاجئين في أوروبا. والرئيس الروسي، الذي وافق على صون آخر وقف للنار في أوكرانيا، نجح الى حد بعيد نتيجة استراتيجيته في سوريا في وضع الأزمة الأوكرانية في الخلفية، اذ يتركز الاهتمام الأوروبي الآن على سوريا وأزمة اللاجئين. ويقول بوتين لأميركا ولأوروبا إذا أردتم أي حل في سوريا أو في أوكرانيا،

أو ضد الإرهاب بشكل عام، عليكم التعاون مع موسكو، وضمناً مع أصدقائها. انظروا من زار موسكو حديثاً: زعماء عرب من الخليج الى مصر، ولحق بهم بنيامين نتنياهو الذي يريد من موسكو ألا تعترض حرية طائراته في الأجواء السورية.

هناك تفسيرات مختلفة للتنسيق الروسي – الايراني لدعم نظام الأسد، احدها يقول إن ثمة اتفاقاً ثلاثياً على أنه من المستحيل استعادة السيطرة على الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال والشرق وبعض الجنوب، وأن الهدف الآني هو تعزيز السيطرة على دمشق ومحيطها والممر الجغرافي المحاذي للحدود مع لبنان حتى المنطقة العلوية الساحلية. وحملات تهجير السنّة من هذه المناطق مستمرة منذ زمن، وما يحصل لسكان الزبداني دليل على ذلك.

الفراغ القيادي المحرج لإدارة الرئيس أوباما في سوريا، وضع بوتين في موقع المبادر والفاعل، وزجّ أوباما في موقع رد الفعل. لكن الانهيار السوري لم يصل الى القعر بعد.