& أحمد الجميعـة

حادثة تدافع الحجاج في مشعر منى لم تكن حدثاً اعتيادياً في توقيته، وعدد مصابيه وضحاياه، ولكنها حتماً لا تقلل من جهود الدولة في خدمة ضيوف الرحمن، والسهر على راحتهم، وتجنيند الكوادر البشرية والفنية لضمان سلامتهم.. ويكفي وجود الملك سلمان على رأس قيادة العمل في المشاعر المقدسة موجهاً وداعماً ومتابعاً لتفاصيل العمل، ومستواه، وكفاءة حضوره لإثبات صدق التوجه، وسلامة القصد، وغاية الجهد، وأيضاً لا يقلل الحدث من إدارة الأزمة من خلال سرعة تقديم المعلومات بكل شفافية، ومباشرة نقل المصابين، واستمرار مسيرة الحشود باتجاه جسر الجمرات، وتشكيل لجنة تحقيق عليا -بحسب توجيه ولي العهد- لمعرفة الأسباب، وإعلانها أمام العالم بكل تجرّد وحياد.

وقع الحادث مؤلم، وهو مصاب وقدر نؤمن به ولا نتغافل عن أسبابه، أو نخفي معلوماته، أو حتى نقصّر في احتوائه، ولكن على الجانب الآخر من الحدث هناك أكثر من مليوني حاج مضوا في أداء نسكهم بكل يسر وسهولة، ولم يعكر صفوهم أحد، ولم يقصّر أحد مطلقاً في واجبه تجاههم، حيث كانت الحشود تصل تباعاً إلى جسر الجمرات، وتؤدي نسك الحج.

الدولة بعد نهاية كل موسم حج هي في حالة انعقاد طوال العام لضمان نجاح موسم الحج المقبل، من خلال اجتماعات وورش عمل بين المسؤولين لمراجعة الخطط، وتلافي السلبيات، ومعالجة الأخطاء، وتطوير مستوى الخدمات والتنسيق بين الجهات الأمنية والخدمية، وهذه الجهود أسفرت عن منشأة الجمرات التي قضت تماماً على حوادث الرمي بفضل التوسعة التاريخية، إلى جانب النجاح الكبير الذي يشهد به العالم واستفاد من تجربة المملكة في إدارة الحشود، وهو ما يُعد نموذجاً فريداً في التعاطي مع حركة أكثر مليوني حاج في وقت ومكان محددين، كذلك تطوير الخطط المرورية في كل عام، فضلاً عن المشروعات المستحدثة من الجسور، والطرقات، وتوسعة رقعة المخيمات، والحد من التجاوزات لمن يحج بلا تصريح، إضافة إلى توعية الحجاج بعدة لغات.

هذه الجهود ليست منّة من المملكة، بل هو واجب شرّفها الله بأن تتولى مسؤوليته، وهو شرف لملك هذه البلاد "خادم الحرمين"، وشرف لكل مواطن، وهو ما ارتضيناه، وتحملناه، ولن نتأخر عنه، أو نتهاون فيه، أو حتى نسمح لكائن من كان أن يقصّر أو يعبث أو يسيء إليه؛ لأن الواجب كبير، والتحدي أكبر، ومهما حاولنا أن نحقق النجاح في كل عام نصرّ كقيادة وشعب أن لدينا أكثر مما قدّمنا، ونأتي العام الذي يليه ونحن أكثر عطاءً وتجديداً.

الإعلام المضاد الذي تجاوز القضاء والقدر -وهو أمر مسلّم به- سارع إلى نشر سمومه وأكاذيبه وتقديم الروايات المختلقة عن الحادثة، وكأنه ينطق بالحكم قبل معرفة السبب، بل أسوأ من ذلك حين يوزّع تهم التقصير والإهمال، وتهرّب الدولة من مسؤولية الحدث، والإلقاء بها على الحجاج أنفسهم، رغم أن الخطأ وارد ويحصل مثله كثير في حوادث تدافع لمكان يتواجد فيه عشرات الآلاف داخل استاد رياضي، وليس في مكان محدود المساحة والتحرك لأكثر من مليوني حاج.. والغريب المؤلم حين يتحدث البعض عن التقصير في توعية الحجاج وكأن من يحضر هذا العام سوف نستقبله العام الذي يليه ليكون أكثر فهماً ووعياً.. ثم كيف نتهرب من قول الحقيقة ونحن مؤتمنون عليها، في وقت لم يعد الحدث خافياً على أحد رصده، أو متابعته، ونقله، وتصويره.

الدولة ليست في امتحان لم تعتد عليه، أو تخشى منه، ولكنها لا تستحق من إعلام رخيص يخلط الدين بالسياسة أن يقلل من إجراءاتها، وخططها، وقدراتها، وكفاءة رجالها؛ لأن الواقع أكبر مما يقولون، ويتخرصون.. والشواهد مضيئة، والتاريخ مشرّف، ودعوات المسلمين ناطقة وشاهدة على ما يقدَّم لهم، وسنبقى على العهد خدّاماً للحرمين الشريفين ملكاً وشعباً.