بكر عويضة
لم يحصل في أي انتخابات رئاسة أميركية من قبل أن حَبَسَ العالم الأنفاسَ في انتظار تبيّن الخيط الأبيض من الأسود، ومعرفة الرابح في سباق الوصول لمكتب البيت الأبيض البيضاوي. أمس حصل هذا، بل هو حاصل منذ بدأ يتضح أن دونالد ترامب ليس مجرد نكتة أو فقاعة عابرة، إذ ذاك بدأت الدول تنتظر يوم أميركا التالي لانتخاباتها الرئاسية، والأرجح أن صانعي القرار في العواصم المهمة تحسّبوا لمختلف السيناريوهات، مستعينين بدراسات وضعها خبراء يدركون إحدى أهم بديهيات عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وخلاصتها أن ما يحدث في الولايات المتحدة الأميركية يؤثر سلبًا أو إيجابًا في غيرها عبر القارات الخمس. ها قد وصل اليوم التالي، فأي أميركا وأي عالم بدأ هذا النهار؟
هناك اختلاف بين مدارس التفكير والتحليل السياسي بشأن ما ستكون عليه أميركا «الرئيسة هيلاري كلينتون»، وما سوف يترتب على نشوء أميركا «الرئيس دونالد ترامب». بالطبع. لكن ما يكاد يكون موضع اتفاق أغلب المحللين يتلخص في أن عالم ما بعد انتخابات أمس الأميركية مختلف، وأن الولايات المتحدة ذاتها، بصرف النظر عن شخص الرابح، ستختلف هي الأخرى. ذلك أيضًا توقع طبيعي، حتى لو أن انتخابات 2016 كانت طبيعية كما سابقاتها، بكل ما يصاحب التنافس الرئاسي من حدة. لكنها لم تكن كذلك، بل هي الحملة الانتخابية الأكثر حدّة في تاريخ انتخابات الرئاسة الأميركية. هذا توصيف يكاد يتفق عليه الجميع أيضًا، وهناك من ذهب أبعد من مجرد الحدة، فعدّها الأسوأ، والأشرس، بل والأقذر. ليس من المستبعد، إذًا، أن ما سوف يترتب على ما سيتضح اليوم من نتائج سيحمل بعضًا من تلك السمات، فأميركا هي غير التي يعرفها الآخرون، والعالم مختلف عمّا سبق انتخابات أمس.
إنما إلى أي مدى يمكن للتغير أن يذهب؟ تساؤل يجيب عنه البعض بعقلانية يقبلها منطق التحليل السياسي. لكن هناك من يشطّ فيذهب بعيدًا في الخيال. على الضفة الأولى، من الصحيح أن العالم سيتعامل مع أميركا المنقسمة على نفسها. واضح أن دخول ترامب حلبة السباق الرئاسي، وهو الخارج عن نطاق وسيطرة مؤسسات تحتكر الحلبة منذ سنوات طويلة، ثم إثبات قدرته على اكتساب تأييد جماهيري واسع، أثبتا معًا وجود قطاعات معتبرة من الأميركيين تشعر بغضب مكظوم، ومن ثم رأت في ترامب، بكل نقاط ضعفه وسيئات تصريحاته وتصرفاته، فرصة لإطلاق ذلك الغضب من القمقم.
إنما، على ضفة شطط التحليل، تسمع وتقرأ من الآراء أو التوقعات ما يثير العجب حقًا، إذ تبدو أقرب إلى الخيال منها للواقع. من ذلك، توقع أن فوز ترامب سيعزز فرص تبلور حلف روسي- إيراني يفرض بمباركة أو غضّ نظر من جانب إدارة ترامب، رؤية بوتين في منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، وبالتالي فإن على تل أبيب أن تدرك أن أيام إسرائيل باتت معدودة. واو. أي خيال مريح أكثر من هذا؟ أما في حال خسر ترامب، فعلى أميركا نفسها أن تبدأ العد العكسي لبداية النهاية. لماذا؟ لأن الميليشيات الأميركية المسلحة، هي خلايا الإرهاب الأميركية النائمة سوف تصدر لها أوامر الخروج فيبدأ انهيار الحلم ولاية تلو أخرى، وسيرى العالم أن ما حصل في أوكلاهوما (19- 4- 1995) لم يكن سوى بروفة أشبه بالنزهة. بلا انتقاص من قيمة أصحاب تلك الرؤى، فمن يدري لعل الآتي من الأحداث يثبت صحتها، فإنها تظل أقرب إلى جموح الخيال، أو قل لعلها تعكس نوعًا من تفكير رغبوي يريح أصحابه. فلننتظر ونرَ.
يبقى أن مزيجًا من الفضول والرغبة في التعلم، دفعني للتنقيب عن الترجمة العربية لاسم الملياردير دونالد العائلي. وفق قاموس «المورد» تحمل ترامب غير معنى، بينها: (الورقة الرابحة في ورق اللعب)، ثم: (شخص معتمد أو موثوق أو ممتاز)، ولذلك فهو: (يأخذ بورقة رابحة، يلعب الورقة الرابحة). تلك معان إيجابية، لكن (TRUMP) شأنها شأن كل شيء حمّال أوجه، تحمل معاني أخرى كذلك، منها: (البوق)، ومنها أن (تبتز، تختلق، تفبرك، وتلفق). تُرى، أي المعاني سوف تنطبق على «الرئيس ترامب»، أو «الخاسر دونالد»؟ مرة أخرى، ليس أمامنا سوى أن ننتظرَ ونرى.
التعليقات