كامل عبدالفتاح 

الرئيس دونالد ترامب.. ثلاث كلمات زلزلت أمريكا والعالم.. هكذا جاءت افتتاحية صحيفة «نيويورك تايمز» فى اليوم التإلى لفوز ترامب – وقالت الصحيفة نصاً: «الرئيس دونالد ترامب، ثلاث كلمات لم تخطر على بال الملايين من الأمريكيين، وأكثرية الناس فى أنحاء العالم، لكنها أصبحت الآن مستقبل الولايات المتحدة - ما نعلمه عنه، هو أن السيد ترامب أكثر رئيس منتخب غير مهيأ فى التاريخ المعاصر، ونعلم من أقواله وأفعاله بأنه أظهر نفسه كأكثر الرؤساء تقلباً للمزاج ما يجعله غير مؤهل لقيادة خليط من 320 مليون أمريكى».

سيدخل دونالد ترامب البيت الأبيض رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية ابتداء من 20 يناير القادم.. الأمريكيون ولأول مرة فى تاريخهم منقسمون حول الرئيس الجديد.. هل سيصعد ترامب بأمريكا إلى قمة العالم أم سيهبط بها إلى حضيض الفوضى والعنصرية.. سؤال يحير الأمريكيين والعالم الذى يدرك أن بلداً بحجم أمريكا إذا عطس سيصاب سكان الأرض بالزكام، فما الحال إذا سقطت أمريكا مغشياً عليها.. توماس فريدمان كبير محررى نيويورك تايمز كتب قبل فوز ترامب بمقعد الرئاسة بساعات أن الأمريكيين مصابون بغباء جمعى، وأن أمريكا إذا فاز ترامب فإنها تقترب من نقطة الانهيار.. ترامب بنظر توماس فريدمان مهاجر شرعى يكره المهاجرين غير الشرعيين.. ولد على الأرض الأمريكية غريباً عن القيم الأمريكية التى تحترم التعددية وقيم الحرية.. هو إذن مهاجر شرعى ببطاقة المولد وغير شرعى لأنه هجر الروح الأمريكية والحلم الأمريكى، وأنه سيجر المجتمع كله إلى حالة من التفتت والعداء المتبادل وكراهية الآخر.. هكذا يرى مفكرون ونخبويون مثل توماس فريدمان والمخرج الشهير بمواقفه المعارضة مايكل مور.. فى مصر والعالم العربى تابعنا الانتخابات بنفس عقلية التسول السياسى التى تربينا عليها.. ننتظر دائماً الرئيس الأمريكى الذى لا يفضح ضعفنا وهواننا على أنفسنا.. ينفق بعض العرب مئات الملايين من الدولارات لدعم مرشح يقفون على بابه بعد ذلك بانتظار أن يمنحهم شرف اللقاء والابتسام والمصافحة وادعاء الصداقة... كل الرؤساء الأمريكيين خلال الخمسين سنة الماضية مجمعون على أنه ما من حاكم عربى – ملك أو رئيس أو شيخ قبيلة أتى للبيت الأبيض مهنئاً الرئيس الجديد إلا ويقبض بيده على ورقة استعطاف سياسى أملاً فى صدقة أمريكية جارية، بخلاف حكام إسرائيل الذين يقدمون لكل مرشح رئاسى محتمل أن يكون رئيساً عرضاً إسرائيلياً لمساعدته على تنفيذ سياساته بالمنطقة والعالم.. العرب ينتظرون الصدقة وإسرائيل تعرض المساعدة.. العرب يتشوقون للرئيس الأمريكى الذى يتصورون ويتمنون أن يغض الطرف عن أنظمتهم ويصم آذانه عن مظالم شعوبهم.. العقل الجمعى العربى حكاماً وشعوباً تحكمهم ثقافة غريبة تجاه الرؤساء الأمريكيين المحتملين، وهى ثقافة التسول السياسى واستضعاف الحال تجاه من يملك بنظرهم الخبز والحماية.. ما أتصوره الآن أنه بقدوم دونالد ترامب من خلفية المقامر والمصارع ومقدم البرامج والممثل الفاشل وملياردير العقارات والرجل المزواج فإن اللحظة الراهنة على غير ما يتوقع كثيرون هى لحظة فطام قاسية للعرب.. من الآن لا حليب ولا عسل أمريكى وعلى الذين استمرأوا الرضاعة من الثدى الأمريكى ونسوا أنهم شاخوا على صدرها أن يفيقوا إلى أن أمريكا ترامب ليست هى أمريكا مع اربعة وأربعين رئيساً سبقوه.. لقد هرمنا ياعرب وحان وقت لملمة ما تبقى من كرامة، وبدلا من بكاء الأطلال الأمريكية فلنكفر جميعاً حكاماً وشعوباً عن ذنوب وكبائر تاريخية ارتكبناها بحق أنفسنا.. السماء لا تصغى للضعفاء والعاطلين ومن يملأون دور العبادة وقلوبهم مثل علب الصفيح الفارغة.. طواف العرب حول الكعبة الأمريكية ليس من قبيل الإيمان بمبادئ الديمقراطية والحرية وإنما هو أقرب ما يكون لعاقر تتصور أن حملها سيتحقق بمداومة التمسح بأضرحة الأولياء.. أمريكا قد تضعفها غرائز ترامب وقد تصلحه مسئولية المنصب وتضبطه مؤسسة النظام، وفى الحالتين أمام العرب جميعاً فرصة تاريخية لاختيار المستقبل خارج الحضانة الأمريكية مع التسليم بأن القيم السياسية والإنسانية التى قامت عليها أمريكا الدولة ستبقى مرجعية عظيمة لمن يدرك أهمية استلهام روح التاريخ من دون تسول على أرصفته.