روزانا بومنصف

يبدو بديهيا وطبيعيا بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية مراقبة ان تكبر رهانات رئيس النظام السوري بشار الاسد على مرحلة ملائمة اكثر بالنسبة اليه بصرف النظر عن مدى ما يحكم من سوريا وهل يحكم ام لا في ظل النفوذ الكبير لحلفائه من روسيا الى ايران وحتى " حزب الله" ما دام في السلطة، وذلك على وقع المتغيرات الدولية بدءا من انتخاب دونالد ترامب للرئاسة الاميركية وصولا الى ما يلوح به افق الانتخابات الرئاسية الفرنسية باحتمال فوز رئيس الوزراء السابق فرنسوا فيون بالرئاسة في الربيع المقبل. فهذه المتغيرات تحمل من حيث مواقف اصحابها او من تأتي بهم امالا كبيرة بالنسبة اليه وتعزز الزخم لديه ليس فقط باستمراريته بل بجدوى الحرب التي يقوم بها ضد معارضيه. فالدفعة الاخيرة من هذا الزخم والذي يترجمه منذ بعض الوقت في الحملات المستمرة من اجل استعادة السيطرة على حلب ( على رغم اعلان قيادات ايرانية في عطلة نهاية الاسبوع الماضي ان ايران على وشك تحرير حلب والموصل) حصل عليها الاسد من المرشح الى الرئاسة الفرنسية فرنسوا فيون بفارق كبير مع منافسه الان جوبيه الذي يحتفظ بمواقف صارمة من نظام الاسد وشخصه. وفيون يلتقي مع كل من ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مقاربة متشابهة بتبني وجهة النظر السورية التي تحصر الحرب القائمة هناك منذ عام 2011 على انها بين النظام وتنظيم الدولة الاسلامية. وللمتغيرات الفرنسية في حال حصولها اثرها الذي لا يمكن تجاهله خصوصا في تكامل السياسة الاوروبية مع السياسة الاميركية وما تؤشر اليه المرحلة المقبلة من حيث المبدأ لجهة احتمال طي صفحة مختلفة من التعاطي مع روسيا تميزت بها المرحلة الماضية لا سيما بعد احتلال روسيا للقرم واقتطاعها من نفوذ اوكرانيا وبعد التدخل الروسي المباشر في سوريا. هذه المرحلة التي يفترض ان تبدأ معالمها بالظهور في الربيع المقبل لا تتوقف على التحول الفرنسي الرئاسي المحتمل، على اهميته، فان فرنسا تبقى اقل تأثيرا بكثير من الولايات المتحدة التي يقع على عاتقها ان ترسم معالم المرحلة المقبلة في المنطقة وليس فرنسا. تذكر المصادر الديبلوماسية المراقبة ان باريس وعلى اثر وصول نيكولا ساركوزي الى الرئاسة الفرنسية اعادت خلط الاوراق بالنسبة الى المنطقة وخصوصا بالنسبة الى سوريا حيث اعاد النظام السوري الى لبنان من النافذة بعدما كانت اخرجته "ثورة الارز" من الاراضي اللبنانية من الابواب وإن كانت هناك ظروف خاصة متصلة باعتبارات كانت سارية ايضا مع الدول العربية قبل الانتفاضات في بعض الدول العربية ومفاعيلها، ويمكن فيون ان يعيد الاعتبار لنظام الاسد الذي راهن دوما على المتغيرات في الدول الديموقراطية من اجل توظيف حظوظه في ممارسة وصايته على لبنان سابقا وما تبقى من نفوذه راهنا من اجل تعزيز فرص بقائه واستمراره، معولا على ان الانتخابات الديموقراطية تأتي بادارات جديدة ولا تمدد لنفسها عبر الانتخابات كما تفعل الانظمة في المنطقة وفي مقدمها النظام السوري بحيث يمكن هذه الادارات الا تلتزم برامج عمل الادارات السابقة وهي اقدر على التنصل من التزامات او التراجع عن اخطاء على غرار ما اعتبره مسؤولون خطأ جسيما في سحب البعثات الديبلوماسية من دمشق ليس لسبب الا لانه حرم عواصم مؤثرة من القدرة على التأثير على النظام وساهم في رميه اكثر في احضان ايران وروسيا. ومع ان لفرنسا في ظل الانتخابات الرئاسية هواجسها في ظل موضوع اللاجئين السوريين في شكل خاص نتيجة الهجرة الكثيفة الى اوروبا العام الماضي كما في ظل الارهاب المتأتي في جزء منه من اسلوب مقاربة الدول الغربية شؤون المنطقة في شكل اكثر التصاقا بالهموم الفرنسية والاوروبية ، فان المسألة تبدو بالنسبة الى عدد من المتابعين السياسيين في المنطقة انتخابات رد فعل اكثر من اي شيء آخر. وليس المجال متاحا لخوض تفاصيل الانتخابات الاميركية او الفرنسية او الالمانية من هذه الزاوية لكن هؤلاء يملكون اقتناعات بأن مقاربات مبنية على رد الفعل لن تأتي بالحلول المرجوة للمنطقة، في الوقت الذي تلبي الانتخابات اعتبارات داخلية في الدرجة الاولى لكن المقاربات في السياسة الخارجية تبنى على اعتبارات مصالح خارجية تطاول السياسة كما الاقتصاد والتجارة وسوى ذلك من المستويات .
&
والانتخابات الفرنسية بدأت تحتل حيزاً من الاهتمام الخارجي على هذا الاساس خصوصا في ظل مواقف لفرنسوا فيون تعكس نية في تعديلات جوهرية بالنسبة الى السياسة ازاء المنطقة . لكن التعويل يبقى وفقا للمتابعين انفسهم على ما سيعتمده الرئيس الاميركي المنتخب من مقاربات بالنسبة الى المنطقة وكيف سيوفق تلاقيه مع روسيا حول سوريا، فيما روسيا وايران في جانب واحد في الوقت الذي يتشدد او ينوي التشدد في اتجاه ايران، علما ان الموقف الاولي الذي اعلنه من الأزمة السورية يشي بتقارب اكثر مع وجهة النظر الروسية للازمة هناك . ذلك ان اوروبا غابت منذ زمن بعيد عن التأثير في شؤون المنطقة ولم تعد فاعلة إما نتيجة انقساماتها او نتيجة مشاكلها او ايضا نتيجة تبعيتها المطلقة للولايات المتحدة، او بالاحرى عدم قدرتها على انتهاج سياسة منفصلة او مستقلة عن الولايات المتحدة. لذلك تتضاءل اهمية المقاربات الاوروبية ايا تكن اهميتها امام ما هو متوقع ومنتظر من الادارة الاميركية الجديدة التي يوحي تخبط رئيسها في تشكيل فريق عمله بعدم وجود خطة واضحة للسياسة الخارجية لديه حتى الآن، علماً ان ما رشح من مواقفه ينذر بتداعيات كارثية.
&