نزار عبدالباقي

مع مرور الذكرى 25 لانهيار الاتحاد السوفيتي، أول من أمس، قالت صحيفة ديلي تلغراف في افتتاحيتها إن لحظة إعلان تفكك الاتحاد بدت غير عادية للكثيرين في الغرب، الذين نشأوا في ظل الحرب الباردة، ومثَّلت لهم تلك اللحظة علامة على انتصار الرأسمالية والقيم الديمقراطية. ملمحة إلى أن الانهيار غير المفاجئ لأحد أقطاب القوة الثنائية التي هيمنت لسنوات طويلة على العالم كان تحريرا بالنسبة للعديد من الدول التي شكلت جزءا من الاتحاد، لكنه كان بالنسبة للروس تجربة مريرة، كونهم كانوا في مركز قوة عظمى وباتوا يواجهون مستقبلا غامضا. وأضافت الصحيفة أن الاتحاد السوفيتي لم يتهاو فجأة، بل إن انهياره وقع "بعد أن استنفد مبررات وجوده"، حسب تعبيرها، مؤكدة أن انهيار حلف وارسو وسقوط جدار برلين في عام 1989 كانا إرهاصين لما سيبدو في وقت لاحق مصيرا لا مفر منه.

العلاقة مع أوزبكستان
دأب رئيس أوزبكستان السابق، إسلام كريموف، على وصف علاقات بلاده مع روسيا بأنها "دافئة وذات خصوصية"، وهو ما يؤكده نظيره الروسي بوتين، رغم أن العام 2001 شهد تدهورا كبيرا في تلك العلاقات، بعد أن أنشأت الولايات المتحدة قاعدة عسكرية في خان آباد، بعد أن تلقت مساعدات أميركية بقيمة تجاوزت ثمانية مليارات دولار. إلا أن تقلبات السياسة باعدت بين واشنطن وطشقند، بسبب اعتراضات الأولى على سجل حقوق الإنسان، والسياسات الاقتصادية للأولى. وفي المقابل عادت العلاقات مع موسكو إلى أفضل مما كانت عليه في السابق، حيث دخلت الشركات الروسية بقوة إلى أوزبكستان، واستثمرت المليارات في قطاعات النفط والطاقة، واستخراج الذهب واليورانيوم. إضافة إلى توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين.

التفاهم مع كازاخستان
رغم التميز الذي تتصف به علاقات روسيا وكازاخستان وشراكتهما الاستراتيجية، التي حتمت وجودها الحدود البرية التي تربط البلدين، والتي يبلغ طولها 6700 كيلومتر، إلا أن الثروات الطبيعية الهائلة التي توجد في كازاخستان، تدفعها إلى محاولة تنويع اقتصادها، وعدم الاعتماد على شريك واحد، فهي تحتل المرتبة الـ 13 في العالم من حيث الاحتياطات النفطية، إضافة إلى تمتعها بثروات أخرى هائلة من الزنك والنحاس والحديد، كما تمتلك 25% من احتياطي اليورانيوم العالمي.
كل هذه المزايا دفعت موسكو إلى تمتين علاقاتها مع كازاخستان، والوقوف مع رئيسها، نور نزار باييف، رغم الانتقادات العنيفة التي يتعرض لها من الدول الغربية والمنظمات الدولية، واتهامه بالديكتاتورية وممارسة القمع بحق معارضيه.

تعامل خاطئ
وجَّهت الصحيفة انتقادات لاذعة لدور الدول الغربية في فترة ما بعد الحرب الباردة، مشيرة إلى أنه "اتخذ أبعادا انتقامية"، وعامل روسيا كخصم مهزوم، بدلا من حليف محتمل، ويتجلى ذلك في التوسع السريع لحلف شمال الأطلسي "الناتو" شرقا، ليضم دول الكتلة السوفيتية السابقة. وهي السياسة التي انتقدها ويليام بيري، وزير الدفاع في الإدارة الأولى للرئيس بيل كلينتون، بقوله إن واشنطن "أهدرت فرصة حقيقية لتشكيل تحالف جديد مع موسكو، وألمح إلى أن توجه الناتو شرقا كان ينبغي أن يدرس باستفاضة أكثر. ورأت الصحيفة أن الغرب الآن في طور مواجهة علنية مع روسيا التي بدأت تظهر علامات واضحة على رغبتها في استعادة الأراضي التي فقدتها بتفكك الاتحاد السوفيتي، وهو ما حدث بالفعل بضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وتغوله في الشرق الأوسط وتدخله العسكري في سورية. 

الارتباط بتركمانستان 
يرتبط البلدان بمصالح اقتصادية كبيرة تتمثل في عبور النفط التركماني عبر الأراضي الروسية، وهو ما دفع موسكو إلى غض الطرف عن الإدانات الدولية التي كان ينتهجها الرئيس السابق صابر نيازوف، ولم تتجاوب مع محاولات أقطاب المعارضة التركمانية الذين يقيمون في بلادها ومساعيهم لحثها على التدخل في شؤون بلادهم.
وبعد مجيء الرئيس الجديد قربان قلي محمدوف، استمر في اتباع نفس سياسة سلفه، لاسيما أن بلاده لم تكن تحتمل اضطرابات سياسية في ذلك الوقت، وبقيت العلاقة بين البلدين في مستوى ثابت من التنسيق المشترك، حتى مع دخول الصين على الخط، وسعيها لمد خط أنابيب للنفط التركماني عبر أراضيها.

ردود أفعال
نقلت الصحيفة عن محللين سياسيين قولهم إن تصرفات روسيا في أوكرانيا وسورية تبدو وكأنها إعلان من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعودة الاتحاد السوفيتي من جديد، كقوة عظمى لا تلقي بالا للولايات المتحدة، مشيرة إلى أن بوتين الذي كان في البداية يبذل كل جهده لأجل تجنيب حليفه ضربة أميركية محتملة، بات – وتحديدا منذ تدخله الفعلي عسكريا – يتصرف وكأنه الممثل الوحيد الذي يقف على خشبة المسرح.
وتساءل المحللون عن مدى وجود توجه روسي لإعادة تشكيل الاتحاد السوفيتي، ولو على نسق مختلف، مشيرين إلى زيادة التنسيق بين موسكو وخمس من جمهوريات آسيا الوسطى، التي كانت في السابق جزءا من الاتحاد المنهار، وهي أوزبكستان، وقيرغيزستان وطاجاكستان، وتركمانستان، وكازاخستان، وتزايد هذا التنسيق خلال السنوات الماضية لاسيما مع تراجع الدور الأميركي في العالم.

التقارب مع قيرغيزستان
منيت موسكو بخسارة كبيرة بعد فقدان أحد أهم حلفائها في المنطقة، الرئيس القرغيزي السابق عسكر أكاييف، ورغم ذلك نأت بنفسها عن التدخل في شؤون بيشكك الداخلية، رغم مطالبة وسائل إعلامها بذلك. إلا أن القيادة القيرغزية الجديدة، بقيادة الرئيس، كرمان باكييف، ورئيس وزرائه، فيليكس كولوف، أكدت سعيها لمزيد من تطوير العلاقة مع موسكو التي تربطها ببلادهم علاقات شراكة إستراتيجية. ورغم تلك التأكيدات بقيت روسيا تنظر للأمور بنظرة الريبة، لاسيما بعد تزايد أنشطة المنظمات غير الحكومية في قيرغيزستان مقارنة بالبلدان المجاورة. وتعتمد روسيا بدرجة كبيرة على الصادرات الزراعية التي تأتيها من بيشكك، إضافة إلى ما يوازي 25 من طاقتها الكهربائية.

مساعدة طاجيكستان
تمتاز علاقات روسيا مع طاجيكستان بالهدوء والسلاسة، منذ استقلال الأخيرة، حيث لم تشهد علاقات البلدين أي توتر، وتعمل موسكو باستمرار على دعم الاستقرار داخل دوشانبي، وتحرص على استقرارها، بسبب مجاورتها لأفغانستان التي تموج بالاضطرابات الأمنية التي تخشى روسيا امتدادها في دول آسيا الوسطى.
وبعد اندلاع أحداث العنف في طاجيكستان، التي أودت بحياة نحو 50 ألف نسمة، سعت روسيا لتهدئة الأحداث الداخلية التي عاشها المجتمع الطاجيكي، وقامت بتنظيم الحوار بين التيار العلماني المتمثل في الجبهة الشعبية والقوى الإسلامية التي انضوت تحت لواء المعارضة الموحدة، مما أدى إلى توقيع معاهدة صلح وضعت حدا للمجابهة المؤلمة.