راجح الخوري

كانت المفارقة مزدوجة وفاضحة الاثنين الماضي عندما اكتشف الكثيرون، وبينهم مسؤولون في حطام الدولة اللبنانية، ان هناك شيئاً إسمه "اليوم العالمي للاجئين"، والمفارقة تبدو متعددة الوجه:

اولاً - إن العالم لا يتذكر مأساة اللاجئين إلا في إطار من المزاعم والأكاذيب، والدليل ان مسلسل مؤتمرات المانحين التي عقدت لم يلبِ أكثر من ربع المبالغ التي تعهدت بعض الدول دفعها لمواجهة مشكلة اللجوء السوري، فعن أي يوم عالمي نتحدث والعالم يتناسى هذه المشكلة الهائلة؟

ثانياً - إن المسؤولين في لبنان يصرون نظرياً على ان لبنان ليس بلد لجوء لأنه لم يوقع عام ١٩٥١ إتفاق جنيف الخاص باللاجئين، بينما الواقع يجعله اليوم البلد الأول في العالم الذي ينوء تحت طوفان من اللاجئين نسبة الى عدد سكانه، ولا يحصل على ما يزيد عن عشرين في المئة من المبالغ التي يطالب بها الأمم المتحدة لتحمل أعباء اللجوء الذي يُغرقه تماماً.

ثالثاً - إن الأرقام تثير الذعر، لكن المسؤولين عندنا يثيرون الرعب بسبب غيابهم المطلق عن الصراخ، على الأقل، للفت انظار العالم الى ما يتحمله لبنان الذي يغرق اصلاً في انقسامات سياسية عميقة تشل الدولة وسلطاتها وتجعله بلداً سائباً يعلّم الناس الحرام!

رابعاً - بالقلم والورقة، كما يقال، يبلغ عدد اللبنانيين أربعة ملايين ونصف مليون نسمة، وفي لبنان الآن أكثر من مليونين ونصف مليون لاجئ معظمهم من السوريين، إضافة الى الفلسطينيين الموجودين أصلاً، والى عشرات الآلاف من العراقيين والصوماليين والسودانيين والأثيوبيين، وواضح قبل ان يطلب لبنان في أيار الماضي من مفوضية اللاجئين التوقف عن تسجيل المزيد من السوريين، وبعد ذلك التاريخ، إستمر تدفق اللجوء من الحدود الفالتة بدليل ان هناك ايضاً عمليات تهريب للمنتجات الزراعية والألبان تستمر ايضاً في التدفق من سوريا الى السوق اللبنانية!

خامساً - يتعرض لبنان لظلامة ثقيلة عندما يحمَّل مسؤولية الأوضاع الصعبة التي يعانيها اللاجئون الذين يتوزعون على أكثر من ألف ومئة منطقة لبنانية ويعيشون تحت خط الفقر، وخصوصاً بعد تراجع المخصصات التي تقدمها الأمم المتحدة الى أقل من دولارين في اليوم الواحد، وهو ما يفرض على لبنان تحديات اجتماعية واقتصادية وأمنية كبيرة.

سادساً - في ١٩ ايلول المقبل تدرس الأمم المتحدة تقريراً بعنوان "بأمان وكرامة، التعامل مع التحركات الكبيرة للاجئين والمهاجرين"، وهو تقرير أشبه بالمؤامرة عندما يدعو تحت مسوّغات إنسانية الى اسقاط حق اللاجئين في العودة من طريق الحصول على هوية البلدان التي نزحوا اليها، والسؤال: ماذا يفعل لبنان امام تقرير بان كي - مون وحيال مليونين ونصف مليون لاجئ... يغرق، يذوب... يختفي؟