خالد عباس طاشكندي

أتفهم الانتقادات التي توجهها بعض المنظمات الحقوقية في الغرب حول الوضع الحقوقي للمرأة السعودية، أو في أي شأن حقوقي آخر، مثل الدفاع عن حقوق المثلية الجنسية أو حق التعري في الأماكن العامة أو التصدي لصيد الحيتان، إلخ..، فغالبية هذه المنظمات تسعى دائماً للدفاع عن مفاهيم وقيم ترى بأنها صائبة، وقد لا تكون كذلك تماماً أو لا تتوافق مع الواقع الاجتماعي والثقافي والديني لبلد ما، ويدرك غالبية الناشطين الحقوقيين العاملين في هذه المنظمات بأنه في العديد من القضايا يصعب أو يستحيل تحقيق مطالبهم، ومع ذلك يستمرون في اعتراضهم ومطالباتهم من منطلق تسجيل مواقف تتناسب مع مبادئهم، أو ممارسة الضغوطات بطريقة المثل الشعبي «العيار اللي ما يصيب يدوش» فقد تساهم في تحقيق بعض «المطالب» أو «المآرب»، لأن منظمات حقوق الإنسان على مر تاريخها لم تكن منصفة للدول العربية على وجه التحديد، واعتدنا تحاملها علينا وصمتها تماماً عن الانتهاكات التي تحدث في الدول الغربية، وهذا عدا من يوظف هذه التقارير لأغراض الترصد والابتزاز وتحقيق أجندات خاصة.

ولكن ما يصعب تفهمه هو قيام وزارة الخارجية الأمريكية بتبني دور هذه المنظمات، بعد إصدارها مؤخراً تقريراً ينتقد الوضع الاجتماعي والحقوقي للمرأة في السعودية، ويدعي وجود تمييز عنصري بين الجنسين في السعودية وعدم مساواة في الحقوق تؤثر على كل جوانب حياة المرأة وشؤونها، بالرغم أنها تدرك تاريخ التجربة السعودية في التعامل مع حقوق المرأة والتطور الكبير والمتسارع الذي حققته خلال العقود السبعة الماضية، حيث تغلبت المرأة السعودية على العديد من القيود والموروثات الاجتماعية وأصبحت تشارك في العديد من المجالات، وضاعفت فرصها في الوصول إلى مراكز قيادية والمشاركة والمساهمة المباشرة في صناعة القرار.

والتاريخ يشهد بأن التجربة السعودية في مجال حصول النساء على العديد من الحقوق أفضل من مرارة التجربة الأمريكية التي امتدت لأكثر من قرنين من الزمان، فحتى النصف الأول من القرن التاسع عشر، لم تمنح القوانين والكنائس والحكومة الأمريكية حريات للنساء كان الرجال يتمتعون بها، ولم يكن بمقدورهن التصويت أو تبوؤ منصب منتخب أو الانخراط في الجامعات أو العمل لكسب لقمة العيش، والمتزوجات، لم يكن باستطاعتهن طلب الطلاق من أزواج يعاملونهن بقسوة أو الحصول على حق رعاية أولادهن في حال انفصال الأزواج عنهن.

فالمرأة الأمريكية لم تنل حقها في التصويت حتى العام 1920، بعد التعديل التاسع عشر على الدستور الأمريكي، أي بعد مضي أكثر من 144 عاماً على تأسيس الولايات المتحدة، بينما المرأة السعودية الآن تشارك في الانتخابات البلدية كناخبة ومرشحة ابتداء من ثالث دورة، أي في أقل من 10 سنوات فقط، أما على الصعيد الحقوقي، فقد حصلت الأمريكية أرابيلا مانسفيلد على أول رخصة للمحاماة تعطى لامرأة في الولايات المتحدة، وكان ذلك عام 1869م، وحصلت مانسفيلد على هذا الحق دون أن يسمح لها بدراسة الحقوق والقانون والتي كانت مقتصرة على الذكور فقط، حيث لم يكن مسموحاً للإناث بالالتحاق بكليات القانون في الولايات المتحدة حتى نهاية القرن التاسع عشر، بينما في المملكة حصلت المرأة السعودية على حقها في دراسة القانون في الجامعات السعودية بعد أقل من سبعة عقود على تأسيس المملكة، وحصلت أول امرأة سعودية على ترخيص المحاماة في العام 2013م.

وقبل صدور قانون «تمييز الحمل» في الولايات المتحدة عام 1978م، كان بمقدور أرباب العمل فصل أي سيدة عاملة من وظيفتها إذا حملت، بينما في نظام العمل السعودي لا يسمح بذلك منذ إقرار اللوائح التي تنظم عمل المرأة، وفي الجوانب المالية، لم يكن للمرأة الأمريكية الحق في الحصول على بطاقة ائتمان من البنوك حتى صدر قانون تكافؤ الفرص الائتمانية في عام 1974م، ولم يكن بمقدور الأمريكيات فتح حسابات في البنوك حتى الستينيات الميلادية وبشرط موافقة الزوج، ولم تكن هناك بنوك تقدم خدمات مصرفية للنساء في أمريكا حتى العام 1975م، بينما فتحت فروع مصرفية للسيدات في المملكة منذ قرابة أربعة عقود.

وخلاصة القول، هو أن القضية ليست في المقارنة مع حقوق المرأة في دولة عظمى كالولايات المتحدة مضى على تأسيسها قرابة 3 قرون، بقدر أن نوضح أن المرأة السعودية حصلت على العديد من المكتسبات وحققت الكثير من المنجزات في الشأن الحقوقي وفي وقت قياسي، ومازالت تحصل وبشكل متسارع على العديد من الحقوق المدنية المشروعة والتي لا تتعارض مع قيم الشريعة وثوابتها، وهي تجربة تستحق الإشادة لا الانتقاد، وتستدعي أن يكون هناك حراك فاعل يوضح هذه الصورة لدى الغرب ويرد على التقارير السلبية التي تتبناها بعض الحكومات الغربية نتيجة لصورة خاطئة تنقلها بعض المنظمات الحقوقية والناشطين في المجال الحقوقي، والتي تسيء إلى المرأة السعودية وتقلل من مكانتها وكفاحها وتقدمها في العديد من المجالات.