نجيب عبد الرحمن الزامل

&***

كنت سأحتفل بوصول مقتطفات السبت للرقم 600 (مقتطفات الجمعة سابقا، التي استعار اسمها حبيبنا صالح الشيحي، وأفرحني). لولا هذا الذي يحدث حولنا في العالم الذي لم يعد بعيدا ولا قريبا بل حزاما حول أي منطقة، أي بلد وأي مدينة على الأرض. إن ما حدث في مدينة "نيس" من دهس الناس أحياء بشاحنة منطلقة ولغ بالوحشية مبتكر، ولم يشف هذا غليل المجرم بل أطلق الرصاص وكأن به جوع للدماء لا يعرف الاكتفاء. قلوب صارت صلدة عمياء بلا مشاعر إلا مشاعر الشر خاما هائل الكراهية والضرر.. وصارت مسألة الاحتفال بوصول "مقتطفات السبت"، بل أي حفل لي غائرا في أعماقي لتظهر هذه المشاعر التي تصيبكم جميعا ولا نعرف أن نصفها، فنحن ضحايا حقيقيون لكل عملية داعشية مجنونة.

***

هل يمكن أن تتوقف «داعش»، بل هي هل قابلة للإيقاف؟

سؤال خطير ومفزع. إن مخططي "داعش" على خبثهم الشرير شديدو الذكاء بالتحول الحربائي اللوجستي، وهذا يعتمد على عدة خطط بديلة ومتداخلة وتكتيكية ووقتية وظرفية. تذكرون كيف كانت "داعش" قبل عام 2014 عصابات مضطربة تعصبا (عرفت فيما بعد أنه ليس تعصبا ألبتة لأنه لا يمت لدين، وإنما هم قوم مختلون ذهنيا، ومصابون بظاهرة الكره واللذة بالتوحش) ولما استولوا على ثاني أكبر حاضرة عراقية "الموصل" تغير التكتيك ضمن هذه اللوجستية الحربائية إلى إعلان «دولة خلافة الإسلام» في العراق وسورية. ثم تحولوا للتفجير في العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة وفجروا بالعراق بمعدل هائل يجاوز الستين انفجارا شهريا بمعدل انفجارين في اليوم، وفي سورية كذلك. على أن الوضع تغير لما أبدى بعض دول العالم تجمعا عسكريا لمحاربة "داعش"، وصارت التفجيرات خارج العراق وسورية.

***

هل التفجير عن بعد علامة ضعف «داعش» أو قوتها؟

الحقيقة لا يملكها أحد مهما ادعى، لأن لـ"داعش" فوضوية حربائية مع تكتيك تواصلي عنكبوتي، ولم يمكن حتى الآن معرفة كبار العقول التي تدير عمليات التكتيك والتقنية المتقدمة في الأدوات وفي البرامج فهي خفية شبحية متموهة ويبقى معرفة الرؤوس التي تطل وتدعي القيادة، ونرى أنه كلما قتل لهم زعيم كبير لا يتوقف أي شيء ولا يتغير، كأن "داعش"، "هيدرا" في الأسطورة اليونانية التي تتحول لأفعى برؤوس ينبت رأس حال انقطاع رأس آخر. ثم انتقلت "داعش" لتكتيك آخر، ضمن تلك اللوجستية الحربائية، فانتقلت عملياتها الإرهابية لبنجلادش ـــ مركز تجاري فجر قتل بانفجار مئات المتسوقين ـــ وفي تركيا. وفي السعودية أعلنوا صراحة تجاوز أي ذرة قيمة إسلامية بانتهاك حرمة المسجد النبوي بمدينة الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ الطاهرة، ومشهد مخيف لانسلاخ كامل عن الإسلام، مستعرضة أن قوة "داعش" ستبقى إن لم تواجه بتكتيك أرقى وأذكى.

***

المرحلة الحاضرة

المرحلة الحاضرة ضمن اللوجستية الحربائية - هذا الحلم الفيروسي الذي يدخلونه في رأس كل مجرم - بأنه حان وقت "الجهاد العالمي" ومقاتلة الكفار أينما كانوا، معززين هذا الحلم تشبيها بالكتائب الإسلامية الصغيرة التي كانت تهزم الفرس والروم وأعداء الإسلام. طال هذا الجهاد العالمي أمريكا، وهو يروع الآن القارة الأوروبية كأكبر تهديد لها في تاريخها على الإطلاق. فهم صاروا فقط ينتظرون ويتساءلون: أين المرة القادمة؟ وليس فقط أين؟ بل كيف؟ لأنهم أول من اخترع الإرهاب بشاحنة منطلقة على أجساد الناس.

الاستهانة بقوة "داعش" خطأ استراتيجي .. لذا فالتحسب لها عالميا لا بد أن ينطلق من هذا الاعتراف.

اللهم إني أعلم أنك تحمي الإسلام والمسلمين. وهذا ملاذي وهذا يقيني.