&وليد أبي مرشد&&&

لم يكن اللبنانيون بحاجة إلى عرض جديد (الثالث والأربعين) لمسرحية «الحوار الوطني»، ليكتشفوا أن ما يعانونه أزمة تتعدى ما يمكن وصفه بـ«أزمة نظام» أو «كيان» إلى أزمة مواطنة حائرة بين ولاءين متناقضين، أقواهما مذهبي - عشائري، وأضعفهما وطني - مدني.

«لعبة المذاهب»، على النطاق اللبناني، نسخة محلية عن «لعبة الأمم» - التي تحدث عنها بإسهاب مسؤول الـ«سي آي إيه» السابق مايلز كوبلاند - أي غطاء رائج في لبنان لمساعي دول إقليمية إلى اختراق ساحة لبنان السياسية واقتطاع موطئ قدم داخلي لنفوذها.

مع ذلك ما زالوا في لبنان يسمون العروض الموسمية لطاولة الحوار بجلسات «الحوار الوطني»، متجاهلين الخيوط الخفية التي تربطها بالخارج، وحتى محاولات ممثلي بعض المذاهب توظيف التطورات الإقليمية - وفي مقدمتها حرب سوريا الأهلية - في لعبة ترجيح كفتها على نفوذ المذاهب الأخرى.

«وطنية» جلسات الحوار لا تتعدى محاولة إضفاء مسؤولية جماعية على علل لبنان ومتاعبه تحاشيًا لتحميل طائفة ما، دون غيرها، القسط الأكبر من هذه المسؤولية، فيزداد الميزان الداخلي للقوى المذهبية خللاً على خلل.

لكنَّ اللافت في هذا السياق أن تكون أكثر الشعارات المذهبية وضوحًا في «معركة المذاهب» المستترة في لبنان طرح الجهة الحزبية المفترض أن تكون الأقل ارتباطًا - مباشرًا على الأقل - بالعواصم الإقليمية، أي الجهة المصرة على انتخاب «رئيس قوي» للبنان.

عقدة هذه الجهة تغاضيها عما يستتبعه انتخاب رئيس ماروني «قوي» من خلل في معادلة «الأمر الواقع» المذهبي وفي نصوص دستور «جمهورية الطائف» الذي أناط صلاحيات الدولة الإجرائية بمجلس الوزراء ومنح رئيس الجمهورية حق ترؤس جلسات المجلس دون حق التصويت على القرارات التي يتخذها.

بصرف النظر عن صوابية منطق انتخاب رئيس «قوي» على دولة ضعيفة مثل لبنان (إلى حد يبرر قول رئيس حكومتها إن ما يحول دون «انهيارها» هو حوار سياسييها)،

ومع الأخذ في الاعتبار صعوبة، بل استحالة ممارسته «قوته» خارج الأراضي اللبنانية وحدودها الجغرافية (المعتدى عليها أصلاً)، يثير هذا الطرح تساؤلاً بديهيًا على من سيكون هذا الرئيس «قويًا» داخل لبنان؟

مبرر السؤال أن تجربة «المارونية السياسية» لم تغب بعد عن أذهان اللبنانيين، ورغم تبدل المعطيات السياسية داخل لبنان وخارجه، قد يكون تحسب المذاهب اللبنانية الأخرى من بعث جديد لـ«المارونية السياسية» أحد الموانع غير المعلنة لفتور حماس بعض المذاهب غير المسيحية لانتخاب رئيس «قوي» وربما لتردد «الحليف الشيعي» للمطالبين بـ«الرئيس القوي»، أي حزب الله في التعجيل بهذا الاستحقاق قبل اتضاح الوضع السياسي في المنطقة (واستطرادًا موقعه في لبنان).

في غضون ذلك، وبسبب ذلك، يغوص لبنان في دوامة الأولويات المتضاربة من انتخاب رئيس للدولة إلى تعديل لقانون الانتخاب إلى إجراء انتحابات نيابية تكاد تصبح «ترفًا سياسيًا» في الدولة المفترض أن تكون مثال الدولة العربية الديمقراطية.. لو لم تكن التعددية المذهبية قاعدتها وضمانتها في آن واحد.

وهنا بيت القصيد..

بعد أن فشلت تجربة سبعة عقود في «جمع المجد» من طرفيه؛ طرف الديمقراطية وطرف المذهبية، آن الأوان لخروج لبنان من نظامه المخضرم إلى نظام يرجح الديمقراطية على المذهبية أو المذهبية على الديمقراطية دون تعريض ما تبقى من معالم الدولة للانهيار.

لماذا يذهب اللبنانيون بعيدًا؟ وتحقيق هذا الهدف لا يتطلب أكثر من خطوة واحدة إقرارها متاح من داخل النظام، أي تبني مجلس النواب لقانون انتخاب خارج القيد الطائفي يعتمد النسبية كنظام أوسع تمثيلاً لكل اللبنانيين، على أن يصار بعده - وأيضًا من داخل النظام - إقرار المادة 22 من القانون الدستوري الصادر في 21-9-1990 التي تنص على أنه «مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية».

لو أقدم ساسة لبنان على هذا الإجراء لكان خطوة أولى على طريق تقليص التمثيل الطائفي وخطوة جريئة على طريق علمنة السياسة في لبنان.

&&