حسام عيتاني


بعيداً من التعريف غير الميثاقي وغير الدستوري لـ «الميثاقية» كما يفهمها «التيار الوطني الحر»، وفي منأى من سياسات الكيد المستمدة من ممارسات لا تختلف كثيراً عن أجواء القرية ومناكفات المختار ورئيس البلدية وناطور الأحراج، لنتصور أن القوى اللبنانية صاحبة التمثيل الوازن في المجلس النيابي قررت لسبب ما، كاقتناعها بوجهة نظر «التيار الوطني الحر» أو صدوعاً لأمر خارجي، انتخاب النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية.

ولنفترض أن القوى المذكورة تخلت عن شروطها المسبقة المتعلقة بشكل ومكونات الحكومة التي سيشكلها «الرئيس» عون وقبلت بتصورات «التيار» للقانون الانتخابي وحزمة التعيينات في المناصب العليا في إدارة الدولة وما شاكل من تنازلات، في سبيل استقرار سياسي ودرءاً لانهيار اقتصادي تلوح ملامحه اليوم. لنتخيل أن هذا كله وأكثر قد جرى وتولى عون الرئاسة، سينهض حينئذ سؤال مقلق في بساطته: كيف ستخرج دولة يترأسها ميشال عون من وضعها الحالي الواقف على حافة كارثة كبرى؟

يدرك المتابع للشأن اللبناني تداخل أزمات هذا البلد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولاواقعية الاعتقاد بقدرة أي حكومة على اجتراح الحلول في ظل الوضع الإقليمي الحالي. المفارقة أن التغني بانفتاح لبنان على الشرق والغرب وأداء دور «همزة الوصل» بينهما قد انقلب وبالاً عليه. فلا هو قادر على الابتعاد من الآثار المدمرة لـ «شرق» انهارت دوله ومجتمعاته الأقرب إلى لبنان ويتغير تغيراً عميقاً اقتصاد دوله المعتمدة على النفط والتي شكلت على مدى أعوام طويلة مصدراً للدعم المالي ولاستيعاب اليد العاملة اللبنانية، ولا هو على استعداد للتخلي عن ارتباط عضوي بالغرب في مجالات الاقتصاد والتعليم والسياسة وغيرها.

يضاف إلى العامل الخارجي هذا، عنصر التجربة السابقة التي أتاحت لـ «التيار» الإشراف على العديد من الوزارات الخدمية والسيادية، من الاتصالات والطاقة إلى الخارجية، وكان الإخفاق حليفه فيها من دون استثناء، ناهيك عن روائح فساد تزكم الأنوف. وننحي جانباً هنا موجة الفصل والطرد من صفوف «التيار» لمعارضي رئيسه وما يمكن أن تحمله من شكوك حول التزامه مستقبلاً بالحريات العامة.

وعلى الرغم من ذلك، لنتابع لعبة تصور عون في قصر بعبدا محاطاً بفريقه المعروف. ولنفترض أن انتخابه أعاد حقوق المسيحيين السليبة إلى أصحابها المستحقين. بيد أن ذلك لن يلغي حق اللبنانيين، من المسيحيين قبل غيرهم، في السؤال عن الطريقة التي ستجري بها إدارة اقتصاد منهك وغارق في الديون (التي أفرط «التيار» في استغلال تراكمها في حربه على خصومه). وما هو تصوره لإصلاح التعليم الرسمي وقطاعات الصحة والتفاوت الهائل في المداخيل بين اللبنانيين وما يرتبط بالتفاوت هذا من أزمات اجتماعية؟ كيف سيوقف هجرة اللبنانيين وهي موضوع آخر مفضل في الخطابة العونية؟

بكلمات ثانية، بمقدار ما نبتعد عن القضايا «الوطنية»، كالميثاقية ودور المسيحيين والعلاقات بين المكونات اللبنانية، ونقترب من مسائل ملموسة ويومية تهم مواطني هذا البلد في حياتهم ومصادر رزقهم ومستقبل أولادهم، بمقدار ما تزداد ضبابية وغموض آراء «التيار الوطني» حتى تنتهي بالانضمام إلى بقية منظومة السياسات اللبنانية السائدة منذ 2005 على أقرب تقدير والتي ألحقت بلبنان أضراراً لا يبدو قادرا على ترميمها أو تعويضها في زمن منظور.

مع ذلك، ثمة من يعتقد أن من الحكمة ترك عون وتياره يحكمان وأن يواصل اللبنانيون التفرج.