جيفري كمب

بالنسبة إلى أنصاره، كان تنصيب دونالد ترامب رئيساً يوم 20 يناير بداية عهد جديد لحكومة أميركية ثورية ومتنورة. وفي خطبته المقتضبة تعهد ترامب قائلاً إننا ننقل «السلطة من واشنطن العاصمة ونعيدها إليكم، إلى الشعب الأميركي». ومضى في خطبته ليقدم صورة كئيبة عن أميركا في الوقت الراهن. فقد قال ترامب إن هناك «أمهات وأطفالاً وقعوا في أسر الفقر في قلب مدننا، وانتشرت المصانع التي علاها الصدأ مثل شواهد المقابر على امتداد البلاد.. وعصابات الجريمة والمخدرات سرقت حيوات كثيرة للغاية وسلبت من بلادنا إمكانات كثيرة للغاية لم تتحقق.. هذه المجزرة الأميركية تتوقف هنا والآن».

ولم يشر ترامب في كلمته إلى الإنجازات الكبيرة التي حققها المجتمع الأميركي منذ عام 1776 حتى نجاح إدارة أوباما في تقليص البطالة. ومضى ترامب يقول: «انطلاقاً من اليوم ستحكم رؤيةٌ جديدةٌ بلادَنا. ومن هذه اللحظة ستكون أميركا هي الأولى». ثم استعان ترامب صراحةً بقائمة أولويات شعبوية يتعين على أميركا القيام بها لجعلها عظيمة من جديد، وثرية من جديد، ومعتدة بنفسها من جديد، وآمنة من جديد.. مؤكداً: «نعم سنجعل أميركا عظيمة من جديد».

لكن ردود الفعل من خصوم ترامب على خطبته كانت سلبية في كل مكان تقريباً. فقد كان البعض يأملون أنه سينهي خطاب حملته الانتخابية ويبدأ مسعى جديداً لتوحيد الصفوف في البلاد ويطلب من الجميع العمل معاً بالروح نفسها التي تبناها الرؤساء السابقون في خطب التنصيب. لكن النبرة الكئيبة غير التوفيقية في الخطبة جعلت كثيراً من الناس يشعرون بالكآبة والقلق بشأن السنوات الأربع المقبلة. وفي اليوم التالي وقع حادثان أكدا فكرة الانقسام داخل المجتمع الأميركي، وأن إدارة ترامب جزءٌ من المشكلة. 

فقد شارك مئات الآلاف في احتجاجات في واشنطن ومعظم المدن الأميركية، نظمتها جماعات نسائية للاحتجاج على ترامب وسياسته التي دافع عنها في حملته الانتخابية الرئاسية. كما خرجت آلاف النساء إلى شوارع سيدني ولندن وطوكيو ومدن أخرى في أوروبا وآسيا، في «مسيرات مماثلة» ضد ترامب. وارتدى عدد كبير من المحتجات أغطية رأس وردية على شكل قطط في إشارة إلى تفاخر ترامب في تسجيل صوتي يعود إلى عام 2005، ونُشر قبل أسابيع من الانتخابات، بالتحرش بالنساء.

والحجم الكبير لهذه الاحتجاجات قدم مادة إحصائية جديدة هيمنت على الأنباء مطلع الأسبوع الجاري. فقد نشر عدد من المنافذ الإعلامية صوراً تقارن عدد الأشخاص الذين حضروا مراسم تنصيب أوباما أمام مدرج مبنى الكونغرس الأميركي في واشنطن عام 2009، بمن حضروا مراسم تنصيب ترامب. فقد كان من الواضح أن جمعاً أكبر بكثير من الناس حضروا مراسم تنصيب أوباما.

كما كان من الواضح أن عدد الأشخاص الذين شاركوا في احتجاج يوم السبت 21 يناير في واشنطن كان أكبر من الحشود التي ظهرت في اليوم السابق لحضور مراسم تنصيب ترامب. وهذه حقيقة دفعت ترامب وفريقه إلى أن ينفقوا وقتاً ثميناً في إنكارها على نحو أثار الشكوك بشأن مصداقية طاقم الموظفين الجدد في البيت الأبيض. وهاجم ترامب بغضب التقارير الإعلامية والصور التي أظهرت أن الحشود يوم التنصيب كانت أقل من تلك التي تجمعت في عامي 2009 و2013 عندما أدى أوباما اليمين كرئيس للولايات المتحدة في فترتيه الأولى والثانية. وصرح ترامب بأن وسائل الإعلام عرضت «ساحة كأن أحداً لم يكن يقف بها».

ويخشى كثيرون ممن يتابعون ترامب أن سلوكه الذي تميز بالعظمة والنرجسية أثناء حملته الانتخابية، لم يتغير بشكل جوهري.

وخلال اجتماع عقده مساء الاثنين الماضي مع الأعضاء الكبار من الحزبين في الكونغرس، أكد أنه كان من الممكن أن يحصل على عدد أصوات أكثر مما حصلت عليه هيلاري لولا وجود خمسة ملايين صوت غير شرعي، وهو أمر غير صحيح.

والخطر هو أن كل كلمة يتفوه بها ترامب، بما في ذلك تغريداته على تويتر، يجري تمحيصها من الحكومات الأجنبية والأسواق المالية، ويمكن أن تخلق حالة من الارتباك والغضب وعدم التصديق. أما التغريدات المتهورة حول الأمن القومي وقضايا تتعلق بالصين وروسيا والشرق الأوسط.. فقد تخلق أزمات وقد تخلق المزيد. فرغم عدم ذكر ترامب الصين صراحةً في كلمته الأولى كرئيس للولايات المتحدة، فقد وجه إشارة تنم عن التحدي بقوله إن الاستعانة بمصادر خارجية للتوظيف أضرت بالعمال الأميركيين. 
وخلال الحملة الانتخابية احتج ترامب بقوة على الصين واتهمها بسرقة وظائف الأميركيين، وأثار غضب بكين بمكالمته الهاتفية مع رئيسة تايوان التي تعتبرها الصين إقليماً منشقاً ليس له حق في إقامة علاقات خارجية رسمية. ويوم الاثنين الماضي، صرح «تشانغ جون»، المدير العام لإدارة الاقتصاد الدولي في وزارة الخارجية الصينية، بأن بلاده لا ترغب في زعامة العالم، لكنها قد تضطر إلى لعب هذا الدور إذا تراجع الآخرون. وذلك بعد أن أعلن ترامب في كلمة التنصيب أنه سيتبع سياسة «أميركا أولاً». ولكل هذه الأسباب، يجب على فريق العمل في الأمن القومي الأميركي أن يفرض قيوداً على أي اندفاعات من هذا النوع.