خلف الحربي
بقيت تسمية الخليج بـ(العربي) أو (الفارسي) نقطة صراع سياسي وثقافي وقومي عبر ضفتي الخليج طوال نصف قرن من الزمان، وللخليج أسماء أخرى منها (خليج البصرة) حيث توجد هذه التسمية في العديد من الخرائط القديمة، وقد شاهدت أحدها في متحف في مومباي الهندية فوجدت في هذه التسمية حلا وسطا بين عروبة الخليج وفارسيته، ولكنني تذكرت أن الخرائط التي تحمل هذه التسمية وضعت حين كانت البصرة المدينة الأكثر ازدهارا، بل كانت كالتاج المذهب على رأس خارطة الخليج، والميناء الأساسي الذي تقصده كل السفن التي تبحر في هذه المنطقة، وهذا للأسف ليس حال البصرة الْيَوْمَ، ومن أسماء الخليج اسم (خليج القراصنة) الذي استعمله المستعمر الإنجليزي بعد هجمات ومعارك بحرية قام بها بعض الزعامات العربية على ضفة الخليج ضد السفن الإنجليزية والهندية التابعة لبريطانيا أو غيرها من السفن التابعة لقوى استعمارية أوروبية أخرى.
واليوم قد يكون من المناسب أن نسمي خليجنا بـ(خليج الهوشات) بعد أن أصبحنا نبات على هوشة «تويترية» ونصحو على هوشة «سنابية»، كانت هذه المعارك اليومية الإلكترونية قد نشطت خلال الأسابيع الأولى لمقاطعة قطر، وكان من الصعب السيطرة على الانفلات الذي يصاحب هكذا مواجهات سياسية وإعلامية ساخنة جدا، وكان الأمر مفهوما نوعا ما بالنسبة لي على الأقل، لأن قطر هي التي استمرأت تجاوز الثوابت الخليجية عبر إعلامها طوال عقدين من الزمان، سواء عبر قناة الجزيرة أو عبر خلايا عزمي «التويترية»، وقد يكون من المفيد لها ولنا أن تذوق مرارة تجاوز هذه الثوابت من قبل الطرف الآخر، ولكن كما يقال:
(الجماهير لا عقل لها)، فقد بدأت تتشعب هذه الهوشات الخليجية الصغيرة وتتفرع بصورة قد يصعب السيطرة عليها مستقبلا، خصوصا أن الكثير من الأطراف داخل الخليج وخارجه من مصلحتها دائما صب الزيت على النار، لتحويل هذه الهوشات الصغيرة إلى معارك قومية أو وطنية كبرى.
أنا لا أقول إن الأوضاع كانت أفضل قبل هذه الهوشات الإلكترونية والإعلامية، فقد كان شكل الصراعات الإلكترونية أشد خطورة، حيث كانت تركز على التناحر الطائفي وتقسيم المجتمعات الخليجية على أسس فكرية وعرقية أغلبها تكفيري وعنصري. لا أقول أيضا إن آباءنا وأجدادنا في الخليج كانوا أكثر رأفة ببعضهم البعض حين يأتي وقت الخلافات، ولكنهم كانوا يفعلون ذلك في مجالسهم وديوانياتهم ولَم تكن تتوفر لديهم وسائل التواصل الاجتماعي التي بإمكانها أن تحول تعليق سخيف من شخص هامشي إلى أزمة وطنية وخليجية كبرى تنتهي بعد 24 ساعة، لتبدأ أزمة أخرى، كل ما أقوله إن مثل هذه الأجواء لا تبشر بالخير أبدا، وقد تحتاج دول مجلس التعاون إلى توزيع حوالى 30 مليون علبة عصير ليمون على مواطني دول المجلس ليهدؤوا أعصابهم قليلا ويفكروا قبل الدخول في أية هوشة إلكترونية خليجية وليسألوا أنفسهم: هل يستحق الأمر أن يحرقوا أعصابهم وأعصاب الآخرين من أجله، أم أنه لا يعدو كونه فقاعة إلكترونية تنتهي بعد بضع ساعات.
التعليقات