محمد السعيد إدريس

على الرغم من أن اللقاء الذي جرى بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب، والروسي فلاديمير بوتين في قمة «منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي» (أبيك) بمدينة «دانانج» الفيتنامية (11-11-2017)، كان لقاءً هامشياً، على العكس من لقائهما المطول والمرتب في مدينة هامبورج الألمانية بمناسبة حضورهما القمة الاقتصادية لدول العشرين قبل أقل من سبعة أشهر، إلا أن البيان الرئاسي الصادر عن لقاء «دانانج» أعطى كل الأولوية لترتيبات انعقاد مؤتمر جنيف الخاص بالأزمة السورية المقرر انعقاده يوم 28 نوفمبر/‏تشرين الثاني الجاري. 

كانت هناك شكوك كثيرة بخصوص فرص انعقاد مؤتمر جنيف في موعده المحدد، سواء بسبب الارتباكات العسكرية في الشمال السوري، وبالذات عودة تنظيم «داعش» لاستعادة مدينة «البوكمال» بعد نجاح القوات الحكومية من السيطرة عليها، أو بسبب الخلافات المثارة بين الفصائل المعارضة التي لم تستطع بعد حسم تشكيل وفدها الموحد إلى هذا المؤتمر، أو بسبب تحفظات أطراف كثيرة، خاصة تركيا، للمسعى الروسي لعقد مؤتمر منافس لمؤتمر جنيف في مدينة «سوتشي» الروسية تحت اسم «مؤتمر الحوار الوطني» بسبب رفض أنقرة لفكرة دعوة حزب «الاتحاد الديمقراطي» الكردي لحضور هذا المؤتمر.

لكن رغم هذه الشكوك فإن «لقاء بوتين- ترامب» الهامشي في دانانج لم يتجاوزها فقط، بل إنه أرسى قواعد قوية للتسوية السورية كانت مثار خلافات بين الأطراف كافة، كما أنها تجاوزت مؤتمر الحوار الوطني الذي كانت ترتب له روسيا، إذ لم ترد أية إشارة لهذا المؤتمر في البيان المشترك الذي صدر عن هذا اللقاء الذي تضمن إشارة مهمة تقول إنه «لا حل عسكرياً للأزمة السورية»، والالتزام ب«سيادة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها»، وأعاد تعريف محادثات جنيف «كطريق وحيد للحل وفق القرار الدولي رقم 2254».

قراءة تفاصيل هذا البيان تكشف أنه جاء محصلة محادثات روسية- أمريكية معمقة جرى التعتيم عليها، حيث تضمن تنازلات في مواقف الطرفين، ما يعكس وجود قدر من توازن النفوذ، إن لم يكن توازن القوى بين واشنطن وموسكو، إلى جانب وجود حرص أمريكي على تمرير التسوية السورية بالمعالم التي تمت الإشارة إليها في هذا البيان، والتي أثارت امتعاضاً «إسرائيلياً» عبر عنه بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة «الإسرائيلية»، خصوصاً بالنسبة لترتيبات الأمن في الجنوب السوري، وإشارة بيان الاجتماع الرئاسي الروسي- الأمريكي إلى الاتفاق الثلاثي الأمريكي- الروسي- الأردني على إنشاء «منطقة خفض التصعيد» جنوب سوريا.

فقد تضمن البيان نقاطاً مهمة حول التسوية السياسية تعكس تغيرات لافتة في مقاربة واشنطن لطبيعة الحل السياسي، فقد أقر وكرّس التفاهمات بين واشنطن وموسكو التي أفرزت اتفاقات «منع التصادم» حول نهر الفرات، وفي بادية الشام قرب «التنف»، واتفاق «تخفيف التصعيد» في الجنوب السوري، وأعاد اصطفاف البلدين خلف مسار جنيف كأساس لأي حل في سوريا، آخذين في الاعتبار تصريحات الرئيس السوري حول التزامه ب»عملية جنيف وتعديل الدستور والانتخابات وفق مضمون القرار 2254». 

وتحدث البيان عن تعديل الدستور وليس تغيير الدستور، كما تحدث عن «انتخابات حرة وعادلة تحت إشراف الأمم المتحدة وفق معايير الشفافية الدولية مع مشاركة جميع السوريين المؤهلين لذلك، بمن فيهم من هم في المهجر (اللاجئون)، لكنه لم يوضح هل هذه الانتخابات رئاسية وبرلمانية، أم هي برلمانية فقط، ما يعني الإقرار المسبق ببقاء الرئيس بشار الأسد. 

ورغم ذلك لا يشعر «الإسرائيليون» بالثقة من تلك النصوص التي يرونها مفعمة بالغموض، ولا تأخذ بالشروط «الإسرائيلية» التي تطالب بإبعاد أي وجود عسكري إيراني، أو أي طرف حليف لطهران، سواء كان «حزب الله»، أو ميليشيات عراقية، مسافة تتراوح بين 50 و60 كيلومتراً عن الحدود، وزاد من المخاوف «الإسرائيلية» ما كشفت عنه «بي.بي.سي» استناداً إلى ما أسمته بجهات استخباراتية غربية «عن صور أقمار صناعية تتعلق بقاعدة نائية أقامها الإيرانيون سراً قرب دمشق.

وإذا كانت تركيا دخلت هي الأخرى كطرف متحفظ على بعض ما ورد في ذلك البيان الرئاسي، خاصة النص على أن لا حل عسكرياً للأزمة السورية، حيث طالب الرئيس التركي روسيا والولايات المتحدة بسحب قواتهما من سوريا، فإن التعقيدات تفاقمت بعد إعلان إيران أن وجودها العسكري في سوريا «شرعي»، وأنها ستسمر بعد هزيمة تنظيم «داعش»، ولكن بأشكال مختلفة، وبعد إعلان ربط أمريكا، للمرة الأولى، بين بقاء قواتها في سوريا، بعد القضاء على «داعش»، وبين مخرجات عملية السلام في جنيف، أي ربط انسحابها من سوريا بنجاح جنيف بالشروط التي تراها مناسبة.

تعقيدات تعني أن تفاهمات بوتين مع ترامب دخلت في «المأزق الصعب»، وأن هذا من شأنه إرباك تفاهمات واشنطن وموسكو حول ترتيبات مؤتمر جنيف، ويبقى التحدي الأهم هو كيف يمكن المضي قدماً في انعقاد المؤتمر وتجاوز هذه التحديات.