مشاري الذايدي

مهرجان الجنادرية يقام هذه الأيام في العاصمة السعودية الرياض للمرة الـ31؛ يعني تجاوز الربع قرن من عمره الحافل بالكثير المثير من السياسة والثقافة والتراث.

مهرجان بذر بذرته الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، وسقاه ونماه حتى أصبح مهرجان المهرجانات العربية، فيما يتعلق بخدمة التراث المحلي لكل مناطق الجزيرة العربية والإرث السعودي. كما صار منصة تتلاطم على ضفافها الأفكار والجدالات والسجالات. وهو إلى ذلك موعد سنوي لسباق موغل في محليته؛ أعني سباق الإبل، أو الهجن السنوي. ومن ينسى مناظر المرحومين الشيخ زايد آل نهيان والملك خالد وهما يتابعان السباق بشغف، ويلاطفان الصبية الهجانة.

أما اللوحة الأجمل، فكانت لوحات العرضة؛ رقصة الحرب والفخر، ورقصة الملوك وأهل البأس، وأيًضا لوحة الشعر بصوت روح الجنادرية، وخير من عبر بشعره عن ثقافة ورؤية ابن الصحراء السعودية؛ أعني خلف بن هذال العتيبي، أسبغ الله عليه ثياب العافية.

ختام المسك يكون بالعرض الكبير، الأوبريت، الذي يجمع خلاصة الفن والفنانين بالسعودية. وللأسف يغيب هذا العرض الكبير هذا العام أيًضا!

إن الجنادرية، بكل مشاهدها وندواتها وأسواقها، سجل أمين للذاكرة السعودية، والخليجية، والعربية أيًضا. من ينسى سجالات حرب الخليج الثانية، وجدالات التيار الصحوي الأصولي مع مخالفيه؟ كانت أيام!

الجنادرية ليست هذا وحسب، بل هي «سوق» بكل ما تعني الكلمة من معنى، سوق ينتظره كثير من الحرفيين وباعة المنتجات الوطنية والتراثية الخاصة، ويشهد حركة تداول لافتة، وهناك سيدات مسنات يأتين من الأرياف والبوادي لعرض منتجاتهن الخاصة في «وسم» الجنادرية، وهؤلاء لا يرون من الجنادرية إلا جانبها التسويقي فقط.

إننا نتحدث عن «سوق» بالمعنى العربي القديم، كسوق عكاظ وذي المجاز ومجنة ودومة الجندل والمربد والشحر وعدن وصحار. لاحظوا كيف كان العرب يوزعون أسواقهم على جغرافيا الجزيرة العربية كلها، من شمالها إلى جنوبها، من واقع أسماء الأسواق التي ذكرت لكم.

أظن أن وضع أرشيف الجنادرية، المصور والمسموع، مفيد جًدا للباحثين، وقد يقع الكثير على مفاجآت غير متوقعة.
كل عام والجنادرية بخير.