علي سعد الموسى

مع كل أذن تستمع لخبر الضربة الأميركية على سورية يظهر السؤال الأعمق على اللسان: ماذا ستكون ردة الفعل الروسية؟ وربما ذهبت في وقتها الظنون إلى احتمالات ومآلات كبرى في الإجابة عن ذات السؤال، قد تكون أشدها أن يذهب البعض إلى الخوف من مواجهة القطبين في منازلة عسكرية. انتهت الضربة ومعها أيضاً تلاشت ردة الفعل.

اكتفت روسيا بالإدانة والشجب وأيضاً بمنازلة كلامية من العيار الثقيل لمندوبها في الأمم المتحدة، الذي ظهر في جلسة مجلس الأمن الطارئة بقاموس لا يختلف في شيء عن قاموس «الممثل» السوري الشهير بشار الجعفري. ولكي تعرف خوار الدب الروسي على حقيقته فلك أن تقرأ تصريح سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي ظهر الجمعة وهو يقول: آمل ألا تؤثر هذه الضربة على برنامج وموعد زيارة وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، إلى موسكو يوم الثلاثاء القادم. وفيما هو واضح أن موسكو باتت أكثر حرصاً على إتمام هذه الزيارة بصورة أكبر مما كان قبل الضربة، موسكو ذهبت إلى سورية لإنقاذ الثلاثي (سورية وإيران وحزب الله) لكنها وجدت نفسها تغرق في المستنقع، وأكثر من هذا تهوي بهم إلى حفرة أعمق مما كانت قبل أن تذهب. وأكثر من هذا لقيت فجر الجمعة إهانة عسكرية تاريخية لم تكن فيها بأكثر من هارب إلى خارج المسرح الذي حددته لها واشنطن بمكالمة هاتفية قبل دقائق من الضربة. وللعلم فإن ضربة الجمعة على مطار الشعيرات السوري كانت أول مسرح مشترك في كل التاريخ يتقاطع فيه وجود القطبين عسكرياً، وهما لمن لا يعلم كانا حليفين في الحرب العالمية الأخيرة.
ومن الواضح تماماً الآن أن موسكو ستعمل الثلاثاء على استثمار ما حدث لها فجر الجمعة، وأمامها فرصة تاريخية لمخرج يحفظ ماء الوجه. ستستقبل وزير خارجية أميركي له سوابق علاقات نفطية معلنة مع كارتيل النفط الروسي. المزاج الرئاسي الأميركي أيضاً قبل الضربة وبعدها بات يقول علناً إن نظام بشار الأسد أصبح واقعاً ولعله بهذا يعطي الغرور الروسي شيئاً من تحويلة الخروج من هذا النفق. سيذهب تيلرسون إلى موسكو وقد أخذ شحنة الكبرياء اللازمة لتغطية أية تنازلات أميركية في سورية لمصلحة «البابا» الروسي. وفيما أعتقد أن الطرفين سيضعان الثلاثاء القادم أول بذرة لنظام سوري هجين وليد. هو بشار ولكنه لن يكون «الأسد». سيقبل بشار أن تختفي وتغادر كل الأسود الجائعة التي افترست هذا الشعب السوري لعقود، لأن هذا هو شكل الديكور الجديد الذي تريده الولايات المتحدة. سيبقى بشار ولكن بلا أنياب أو مخالب لأن هذا علامة حفظ ماء جلد الدب الروسي. هنا ستكتمل الاتفاقية ولكنها مثل أي عملية تحول سياسي ستأخذ وقتاً طويلاً لأسباب أهمها أن بشار سيكون أكثر خوفاً من كل من حوله بما فيهم جيشه حين يقرر البدء برميهم إلى خارج المركب.