مهزلة" ساحة النجمة لا تحجب مؤتمر بروكسيل لبنان التزم رؤية اقتصادية وتأمين العودة "غير القسرية"

سابين عويس

خطفت الكلمات المثيرة (للعجب والاستغراب) التي يتناوب نواب الامة على تلاوتها في إطار جلسة المساءلة للحكومة المنعقدة منذ يومين في المجلس النيابي، الأضواء عن نتائج مشاركة لبنان في مؤتمر بروكسيل المنعقد تحت عنوان متابعة تنفيذ مؤتمر لندن لـ"دعم الصمود وجهود التنمية في البلدان المضيفة للاجئين بفعل الأزمة السورية".

كان أجدى للبنانيين أن يطلعوا على ما بذلته حكومتهم من جهود أو مشاورات أجرتها في إطار مؤتمر بروكسيل مع ممثلين لـ70 دولة مانحة ومنظمات ومؤسسات دولية من أجل حصد الدعم الدولي لمواجهة أكلاف أزمة اللاجئين السوريين على بلادهم، بدلا من أن يتسمّروا أمام شاشاتهم لاكتشاف الفضائح التي تجري إثارتها ضمن إطار المساءلة، فيما السؤال الاجدى الذي يدور في أذهان هؤلاء هو: من الأولى بالمساءلة، الحكومة أو النواب؟
باستثناء كلمة رئيس الحكومة أمام المؤتمرين، والنتائج التي اعلنها المؤتمر عن "تعهد سخي من المانحين بلغ 6 مليارات دولار لـ2017، فضلا عن تعهدات متعددة بلغت 3.73 مليارات دولار للأعوام 2018 – 2020، ونحو 30 مليار دولار على شكل قروض بشروط ميسرة أعلنت عنها بعض المؤسسات المالية الدولية، لم يُكشف ما ستكون حصة لبنان من هذا الدعم، وماذا طلب تحديدا من المانحين، علما أن الأمم المتحدة كانت طالبت بنحو 8 مليارات دولار لـ2017 لتغطية حاجات الدعم والحماية داخل سوريا وفي تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر.


في مؤتمر لندن العام الماضي، قدمت حكومة الرئيس تمام سلام ورقة عمل حددت فيها وجهة استعمال التمويل المطلوب والذي بلغ في حينها 10 مليارات دولار، منها 7 مليارات على شكل قروض ائتمانية ميسرة و3 مليارات على شكل هبات. وكانت قدمت لذلك طلبا لتمويل مشاريع بنى تحتية بلغت 14 مشروعا. ولم يحظ لبنان إلا بالتمويل لمشروعين في مجال الطرق والتعليم، فيما تم الاعداد لمشروع صحي لكن لم ينجز بعد.


وقد فصَل البيان المشترك الصادر عن لبنان والمانحين المكاسب التي تحققت في هذه المجالات، مع الإشارة إلى ان الدعم الدولي قد بلغ في 2016 ما مجموعه 1,9 مليار دولار.


لكن الواضح أن المقاربة التي اعتمدت في مؤتمر بروكسيل تختلف عن تلك التي اعتمدت في مؤتمر لندن. والسبب أن تنامي ضغط اللاجئين على المجتمعات المضيفة وعلى فرص العمل المتوافرة، بلغ مستويات خطيرة لم يعد في إمكان لبنان تحمل تبعاتها بقدراته الذاتية، وبات في حاجة ملحة إلى الدعم الدولي. فبعدما ركزت الورقة إلى مؤتمر لندن على محوري المساعدات الانسانية والاستقرار والتنمية، حدد لبنان مشكلته اليوم بأولوية البعد التنموي والاستقرار على البعد الانساني، على ما يوضح مستشار رئيس الحكومة لشؤون النازحين نديم المنلا لـ"النهار" في معرض تقويمه نتائج المؤتمر الاخير. ويقول إن لبنان في حاجة إلى توفير 500 ألف فرصة عمل خلال 5 سنوات، مما دفع الحكومة إلى إعداد رؤية عامة لمخطط توجيهي للبنى التحتية، ولم يتسنّ تقديمه بعد، إلا أنه أصبح في مراحله النهائية. وعلى أساسه، سيطلب لبنان من المجتمع الدولي تقديم تسهيلات لتمويله على مدى السنوات السبع المقبلة.


في التقدير الاول لحاجات لبنان التمويلية، يقول المنلا إن الحكومة حددتها بين 10 و12 مليار دولار، في انتظار إنجاز الارقام النهائية، وهذا يشمل كل القطاعات وكل المناطق، بعدما تحول لبنان بمختلف مناطقه إلى مخيم واحد. ويؤكد المنلا أن الرؤية حظيت بتجاوب الاسرة الدولية لأنها الطريقة الفضلى لتوليد فرص العمل. والمعلوم أن كل مليار دولار يستثمر في البنى التحتية يوفر بين 50 و100 الف فرصة عمل، وهذا ما يحتاج اليه لبنان، لأن هذا القطاع يعتمد أساسا على اليد العاملة السورية، وبالتالي ليس في مجال منافسة مع العمالة اللبنانية كما هو حاصل في قطاعات أخرى.


ويلفت المنلا إلى أن الاردن قدم رؤية مماثلة للرؤية اللبنانية، مما أبرز تطابقا في التوجهات نظرا الى التطابق في المشكلات التي يعانيها البلدان على السواء.
لا يتوقع المنلا نتائج فورية للمؤتمر. فالامر يحتاج الى المتابعة في رأيه، ولكن المواكبة الدولية للبنان ستساعد في إنعاش الاقتصاد وإنهاضه من كبوته، وهذا سيؤدي بدوره إلى تنفيس الاحتقان وانتظام الاوضاع ريثما تنتهي الازمة ويعود السوريون إلى بلادهم.


عند هذه النقطة، تبرز الهواجس اللبنانية المتفاقمة مع امتداد أجل الازمة وعدم بروز آفاق انفراج حيال النيات الدولية لتوطين السوريين في لبنان بعد تأمين انخراطهم واندماجهم في المجتمعات اللبنانية الحاضنة، خصوصا أن توفير التعليم وفرص العمل لهم سيؤدي حكما إلى بقائهم في لبنان.


على هذه الهواجس يستعين المنلا بالبند الصادر في البيان المشترك للحكومة والمانحين والذي ينص على "الالتزام الفاعل في إعداد الشروط الملائمة لحل أزمة اللاجئين في لبنان، والتي تمكن هؤلاء من العودة إلى بلدهم وفقا للقانون الدولي ومبدأ عدم الإعادة القسرية". وإذ تذكر حكومة لبنان بنتائج مؤتمر لندن، تؤكد مجددا أن الحل الدائم الوحيد الذي يجري اتباعه بالنسبة الى اللاجئين يقضي بتأمين عودتهم الآمنة إلى بلدهم الأصلي، بما في ذلك أثناء فترة الانتقال، وفقا لقواعد القانون الدولي السارية، ومبدأ عدم الإعادة القسرية، ومراعاة مصالح البلد المضيف".