تكشف زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لدولة الإمارات وكذلك زيارته الأخيرة للمملكة العربية السعودية وما يثار في مصادر إعلامية حول جولة خليجية للسيد الرئيس خلال الفترة القادمة، عن عودة قوية للتحالف المصري الخليجي خاصة بعد ما أثارته بعض القوي المعارضة والقلقة من هذا التحالف من شكوك وطرحت أفكاراً حول وجود خلافات كبيرة علي هذا المستوي ارتكزت علي تباين بعض المواقف من قضايا وأزمات المنطقة.
وفيما يتعلق بزيارة السيد الرئيس السيسي للإمارات، فإنها تأتي في إطار الحرص المصري علي مواصلة التطور الإيجابي للعلاقات الثنائية ومناقشة العديد من قضايا الاهتمام المشترك، وعلي هذا المستوي من المهم الإشارة إلي عدد من الملاحظات التي تبلور طبيعة هذه العلاقات وتؤكد متانتها وحرص المسئولين في البلدين علي دعمها وتطويرها وهي:
أن التعاون العسكري بين مصر والإمارات يشهد تطورات إيجابية، ومن أهم مظاهرها المناورات العسكرية المشتركة التي شاركت فيها مختلف الأسلحة من البلدين خلال الفترة الأخيرة والتي تعطي رسالة واضحة مفادها أن أمن دولة الإمارات جزء أصيل من الأمن القومي المصري، وأن مصر لا تسمح بأي تهديد لدولة الإمارات.
التقدير المصري للدعم الاقتصادي الاستثماري الإماراتي لمصر ومن المتوقع أن تشهد الفترة القادمة مزيداً من الاستثمارات الإماراتية الحكومية والخاصة في مصر بعد صدور قانون الاستثمار وتأكيداً علي المساندة الإماراتية لمصر والتي كانت سنداً لها في أزمتها الاقتصادية خلال السنوات الماضية, والحقيقة أن الامارات لم تغب عن مصر في أزمتها الاقتصادية الأخيرة.
أنه من الطبيعي أن تناقش الزيارة القضايا ذات الاهتمام المشترك والتي علي رأسها مواجهة الإرهاب بأبعاده المختلفة ونشاط تنظيم الإخوان المسلمين في المنطقة خاصة وأن الإمارات تعتبر الإخوان تنظيماً إرهابياً، وكذلك في اليمن حيث تشارك الإمارات في التحالف العربي وتقوم بجهد كبير خاصة في المناطق الجنوبية اليمنية، وقد انزعجت مؤخراً من بعض تحالفات قوي في الشرعية اليمنية مع حزب الإصلاح الإخواني اليمني بصورة كبيرة، خاصة وأن لها رؤية لحل الأزمة اليمنية تلتقي في بعض جوانبها مع الصيغ الدولية المطروحة بهذا الخصوص، وهو ما يحتاج تفاهمات مع أطراف التحالف الأخري لاستيعاب أية تباينات علي هذا المستوي.
أن الدور المصري في الأزمة الليبية والسعي الثنائي مع دولة الإمارات لتحقيق التوافق الوطني في ليبيا كان وسيستمر مجالاً للحوار والتفاهم بين البلدين تقديراً من الإمارات لمخاطر وانعكاسات الأزمة الليبية بأبعادها المختلفة علي الأمن القومي المصري، وبالنظر للدور الإماراتي في التطورات الليبية منذ سقوط القذافي وباعتبارها طرفاً أكثر حيادية من أطراف عربية أخري تورطت ودعمت أطرافا محسوبة علي قوي الإسلام السياسي في ليبيا وهو ما يعيد إنتاج تنظيمات ترتبط بتلك القوي وتجد دعماً إقليمياً لها.
من الواضح أن قضية بلورة تحالف عربي أو إقليمي لمواجهة الإرهاب والتي طرحها الرئيس الأمريكي كانت ولا تزال مجالاً للنقاش والحوار، وهل هناك بدائل يمكن طرحها علي هذا المستوي مثل إحياء القوة العربية المشتركة كصيغة جماعية للعمل، وكيف ستتوافق رؤي ومواقف مصر ودول الخليج مع الطرح الأمريكي بهذا الخصوص علي ألا يتجاوز ذلك مصالح واعتبارات الأمن القومي لهذه الدول، وعلي ألا يكون هذا التحالف أداة للسياسة الأمريكية في المنطقة لتنفيذ أجندة أمريكية في المنطقة قد لا تخدم بالضرورة الأمن القومي العربي وتكفل في النهاية حضوراً إسرائيلياً إقليمياً تحت غطاء مكافحة الإرهاب دون تحقيق إنجازات في القضية الفلسطينية.
وبصفة عامة، فإن هذه الزيارة لا يمكن فصلها عن زيارة الرئيس السيسي للسعودية والتي دشنت مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية المصرية ـ السعودية، استوعبت بعض مظاهر الحساسية التي مرت بها تلك العلاقات، وأكدت ثوابت ومتطلبات الأمن القومي المصري والخليجي والمحافظة علي حد مناسب من التعاون والتحالف والمواقف المشتركة مع التسليم بحق كل طرف في تبني رؤي ومواقف قد تتباين في بعض أجزائها عن مواقف ورؤي الطرف الآخر دون أن يؤثر ذلك علي طبيعة التحالف والتنسيق، طالما أن هذه المواقف ترتكز علي قاعدة الترابط العضوي بين الأمن القومي المصري والأمن القومي السعودي والخليجي كأولوية علي ما عداها.
ولا شك أن ما تطرق إليه السيد ولي ولي العهد السعودي في حديثه التليفزيوني عن العلاقات مع مصر، تؤكد الحرص السعودي علي التجاوب مع التوجهات المصرية وتتفهم مبررات المواقف المصرية التي شهدت نوعاً من التباين مع السعودية. ولعله من المهم الإشارة هنا إلي أن بعض ما ورد في الحديث يتطلب الاهتمام والتركيز، خاصة تحميل الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي للإعلام الإخواني مسئولية إثارة الشكوك ومحاولة زعزعة العلاقات الثنائية، علي حد قوله، ومحاولة إيجاد شرخ في العلاقات المصرية ـ السعودية والتأثير عليها سلبياً وكذلك ما ورد في حديثه حول رفض السعودية أي حوار مع إيران التي يري أنها تسعي لإثارة القلاقل والهيمنة وتمثل خطراً علي السعودية، وأن الحرب في اليمن لم يكن خياراً وأن السعودية مضطرة لمواصلتها لقطع الأذرع الإيرانية وتهديداتها، وأن السعودية تستطيع حسم المعارك في اليمن من خلال الحرب البرية، إلا أن ما يعطل ذلك هو خوفها من زيادة عدد الضحايا البشرية. ومن الواضح أن العناصر السابقة تعتبر الإطار الحاكم للاستراتيجية السعودية علي هذا المستوي، ولا شك أن الاتهام الموجه للإعلام الإخواني يشير إلي أن الموقف السعودي من الإخوان بدأ يلتقي مع الموقف المصري، وربما يقود إلي عودة الموقف السعودي السابق الأكثر وضوحاً في مواجهة التنظيم وممارساته، ويجب أن تبقي هذه القضية مجالاً للحوار والمناقشة إذا كان المطلوب هو تحصين التحالف المصري السعودي والخليجي وتطويره علي اعتبار أن الموقف من تنظيم الإخوان وحلفائه الإقليميين تمثل قضية حيوية للأمن القومي المصري. إن الموقف الذي عبر عنه ولي ولي العهد السعودي من إيران يُغلق تماماً أيه فرص للحوار بين الرياض وطهران وأن مواجهة إيران ستبقي قضية مركزية في الاستراتيجية السعودية وسياساتها الخارجية. ولا شك أن ذلك سوف يترك انعكاساته علي العلاقات السعودية مع الدول التي يتزايد فيها النفوذ الإيراني خاصة العراق ولبنان، وكذلك علي الرؤية السعودية لحل الأزمة السورية واليمنية، وهي قضايا تحتاج لحوار مكثف من جانب دوائر صنع القرار المصرية، لصياغة موقف مصري يتفهم الاستراتيجية السعودية، ويقدر طبيعة المصالح المصرية، ويسعي للتوفيق بينهما في إطار حد مناسب لا يسمح بالتوترات أو الاحتقان في العلاقات الثنائية، ويستشرف إمكانية التعامل مع تلك الاستراتيجية.
إن الزيارات الخليجية للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسي تركز علي عدد من الاعتبارات التي يتصدرها الحرص المصري علي تأكيد المساندة المصرية لدول الخليج ورفض التدخل في شئونها الداخلية، وتأكيد الحضور المصري ليس في الخليج فقط- لكن علي المستوي العربي والإقليمي بعد فترة غياب طالت أكثر من اللازم، وإن كانت هذه العودة وتأكيد هذا الحضور يتطلب المزيد من الانشغال المصري بمخاوف وهموم الدول الخليجية ذات العلاقات الوثيقة بمصر، وتكثيف الحوار الاستراتيجي علي مستوياته المتعددة مع الدوائر والجهات المعنية في تلك الدول، ومحاولة ضبط المنابر الإعلامية المختلفة التي كانت مصدراً للتوتر وإثارة القلق خلال الفترة الماضية.
وفي تقديري أن مصر مدعوة لتنشيط علاقاتها بسلطنة عمان خلال الفترة القادمة، باعتبار أن السلطنة طرفاً مؤثراً في المنظومة الخليجية ولها رؤي تتباين في كثير من جوانبها مع رؤي ومواقف دول خليجية أخري، إلا أن تقديرها لمصر كان ولا يزال يستحق تجاوب مصر، تحقيقاً لنوع من التوازن واستثماراً لعلاقاتها الإقليمية، لتهدئة التوتر في المنطقة والبحث عن صيغ تكفل التهدئة.
وبصفة عامة، فإن استعادة الزخم والمستوي الإيجابي للعلاقات المصرية ـ الخليجية، وتمتين التعاون الثنائي والجماعي، وفتح الملفات المسكوت عنها والتي تمثل مجالاً للتباين والاختلاف سوف تقود في النهاية إلي بلورة صيغة تعاون وتحالف أكثر فاعلية، وتواجه في النهاية تحركات بعض القوي المناوئة التي سعت ولا تزال لاختراق هذا التحالف خاصة قطر، وكذلك التي حاولت تقديم نفسها كبديل لمصر مثل تركيا. وإن كان تحقيق النجاح علي هذا المستوي يتطلب موقفاً مصرياً مبكراً يستلهم مخاوف وتهديدات الأمن في الخليج وتوفير منظومة أمن جماعي لمواجهته. من المرجح أن تنعكس إيجابياً مجالات التعاون المصرية مع الدول الخليجية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وتعيد التوازن للمعادلة السياسية الإقليمية، وتحاصر بقدر الإمكان الامتدادات التركية والإيرانية، وتكون ركيزة العمل الجماعي العربي في النهاية.
التعليقات