سعيد الحمد

 من السهل استلال وقائع تاريخية معينة واسقاطها على الواقع المعاش بشكل مجرد وهلامي وخارج سياق الحقيقة، فالتاريخ كتاب مفتوح للجميع لنتعلم من تجاربه وليس لاعادة انتاج وقائعه واسقاطها على الواقع بأسلوب نتوسل من خلاله التعاطف واستدرار الشفقة بشكل مضلل ومشوه.


وهكذا اتكاء على التاريخ وعلى جزئيات منه تم انتقاؤها واخراجها من سياقها التاريخي وتلبيسها وجهات نظر تخدم مصالح حالية وآنية حجة لا تصمد طويلا أمام الحقائق المنظورة والملموسة في حاضر اختلفت ظروفه ومعادلاته وتوازناته وحقائقه.
وقد نعجب كبير العجب حين نلاحظ ان مثل هذه المظلومية المستلة من التاريخ السحيق بما له وبما عليه قد صارت ثقافة وشعارا لمجموعة دكاكين «حقوقية» ظهرت كالقطر فوق الجسد الصحيح لتنتشر بمظلوميتها مجيرة أحدث وسائل الحاضر لخدمة شعار الماضي الذي تحول الى ايديولوجية مقدسة لدى هذه الدكاكين التي وجدت في المظلومية ضالتها.
فالمدعو براين دولي، ذلك الايرلندي القادم من دهاليز النسيان بحثا عن شهرة وجد في المظلومية شماعة يتأرجح عليها لطما احترافيا في سلسلة بكائيات شق الجيوب كلما لاحت له فرصة ليمارس هواية لطم المظلوميات وسط احتفاء تلك الدكاكين بوصلة براين دولي يؤديها بحماس ونشوة استغراق دخيل في الشأن البحريني على وجه التحديد بتصيد الشاردة والواردة ليبدأ النشيج المقدس لجوقة الدكاكين الصغيرة وقد بارت بضاعتها وتكدست فوق الرفوف المهجورة وانتهت صلاحيتها منذ أن بدأت اكذوبة مظلوميتها.
ووحده هذا «الدولي» بسيفه الخشبي المشروخ ما زال ينادي على بضاعة المظلومية، وآخر رموعه التمساحية المأجورة من تلك الدكاكين بكائياته وشعار مظلومياته على «كيهان» النسخة العربية.
فكاد أن يمزق قميصه وقد شعر أن «ربعه» يتراجعون الى الوراء سريعا ما أذهله ليس أسفا عليهم وإنما أسفا على مصالح له استثمرها هذا «الدولي» بعقلية تاجر متجول يسوق بضاعة المظلومية على العالم ويقبض الثمن عدا ونقدا مضاعفا كونه أجنبيا أولا ورجل احدى وكالات المظلومية المنتدب رسميا للتسويق والترويج.
وبراين دولي لن يكمل اللعبة معهم، فمثل أي تاجر محترف بغض النظر عن نوع احترافيته، سيترك المظلومية كونها بضاعة بارت وسيترك أصحابها بحثا عن بضاعة أخرى رائجة تماما كما فعل تجار غربيون سابقون كانت وصلاتهم مشتعلة فانطفأت مع انطفاء الشعار وتراجع الحال، فلا تفرحوا بهذا «الدولي» كثيرا فهو لن يظل يرقص على مظلوميتكم طويلا.
ولكن دولي لن يتورط في الشعار المستل من التاريخ كما تورط به صغاركم الذين تركتموهم في منتصف الطريق تائهين بين الماضي والحاضر كما تاهوا وضاعوا بين العمامة والبنطال، فلاهم من أهل العمامة ولاهم من أهل البنطال، وفي المسافة بين الديني في النهار والمدني في الليل أضاعوا هويات كانت لهم.
والبحث عن الهوية سيكون عنوان مرحلة قادمة بدأت باختفاء وجوه منكم اختارت الصمت والجلوس بعيدا تفكر وتستعيد التفكير في الهوية الذاتية التي أضاعتها، فلا هي هنا ولا هي هناك.
وبين «الهنا والهناك» سنكتب فصولا أخرى جديدة تحت عنوان وجوه بلا ملامح.