&علي فايع&&

لا حديث في عسير يعلو اليوم فوق حديث اليونسكو، ولا اسم فيها يتجاوز اسم قرية رجال ألمع التراثية التي تستعد للتسجيل في قائمة التراث العالمي باليونسكو، إذ بدأت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني العمل على الملف القادم وهو ملف موقع رجال ألمع بمنطقة عسير، وسلمت الملف لمركز التراث العالمي في اليونسكو. ورغم النسيان الذي طال هذه البلدة مع غيرها من قبل مدوني التراث الإسلامي في مقابل التركيز على الحواضر الكبرى مثل مدن اليمن والحجاز إلاّ أنّ تتبع هذا الغياب كان هاجس الباحث «محمد حسن غريب»، فكلما رأى ذكراً لرجال ألمع أو لبلدة رجال في مصدر مطبوع أو مخطوط ازدادت رغبته بمعرفة المزيد عنها والتي تعدّ جزءاً صغيراً من محافظة كبيرة لم تكن تعرف فيما تصرّم من السنين إلا بألمع غير مسبوقة بـ (رجال) وبمثل هذا أشار الهمداني في القرن الرابع الهجري وعدّها من المجاورين لعسير، إذ قال: باطنها في التهمة ألمع!

وقد ألبسها الشيخ حمد الجاسر (رحمه الله) حلة الشعر، فذكر أنّ من شعرائها قديماً جثامة بن زهير بن ذيب وأخاه نافع، وأضاف لها التاريخ الإسلامي بعداً آخر، فأشار إليها في تجهيز الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) جيوش المسلمين لحرب القادسية، إذ شاركت قبائل ألمع في تلك المعركة. وتشير أغلب المصادر كالطبري وغيره إلى أن سعد بن أبي وقاص خرج من المدينة قاصداً العراق في 4 آلاف ممن قدم عليه من اليمن والسراة وهم بارق وألمع وغامد، وقيل قدم عليه عرفجة بن هرمة البارقي ومعه 700 غاز من الأزديين وعدد من بارق وألمع، حيث أرسلوا إلى جبهة العراق، وقيل شارك فيها عدد من عشائر بارق وألمع وفي مقدمتهم حميضة البارقي.

ويؤكد الباحث محمد غريب أن مسمى رجال ألمع جاء متأخراً للغاية ربما بعد القرن العاشر الهجري، وتفيد الإشارات التاريخية أنّ رجال ألمع كانت منذ القدم فرعاً من فروع قبيلة عسير وأنها شاركت مع إخوتها عسير السراة في جميع الغزوات التي خاضتها داخل المنطقة وخارجها منذ بداية القرن الثالث عشر الهجري وما قبله بكثير.

موقع رجال ألمع الجغرافي

تقع محافظة رجال ألمع في سفوح الجبال الغربية لعسير السراة وليست أراضيها سهلية ولكنها جبلية تتخللها أودية خصبة التربة، وجبالها مكسوة بالأشجار بمختلف أنواعها، يحدها من الجنوب درب بني شعبة ومن الشمال آل موسى وبني ثوعة ومن الشرق عسير السراة ومن الغرب قبائل المنجحة وبني هلال وبحر أبو سكينة.

تقع بلدة رُجال (بضم الراء) في رجال ألمع إلى الغرب من أبها ضمن انحدارات سلسلة جبال السراة، وتعد جبالها من الجبال السفحية المرتبطة أساساً بمرتفعات جبال عسير فيما يعرف بأغوار تهامة وعلى مسافة تقدر بنحو 40 كيلومترا، وتسمى هذه السلسلة حسب اصطلاح السكان قديماً بـ «ساق الغراب» و«العارض» و«المنقاد» و«الأعراض»، وتعني في اللغة ما ظهر وأشرف، وفي هذه المنحدرات غرب رجال ألمع وبين أحضان أودية عدة تجثم بلدة رُجَال العريقة بتاريخها وتراثها وتجارتها وثقافتها، فترى أحياءها الكثيرة قد توزعت على سفوح الجبال وجلاهم الأودية وانتظمت دكاكينها في الساحات والممرات وعلى جوانب الأودية وارتفعت قصورها لتعانق السحاب في إباء وشمم.

وكما يقول الباحث غريب فإن طبيعة أرضها ضيقة لكونها محاطة بجبال ذات ارتفاعات شاهقة ومنحدرات عميقة مع انعدام الأرض المستوية، وقد وُصِف موقعها قديماً بأنه كان غابة ومياهاً جارية.

وقد أشار إليها محمد عمر رفيع في كتابه «في ربوع عسير» فذكر أنّ رُجال على وزن غُراب وأنه وجدها هكذا مضبوطة في رسالة نفح العود في سيرة الشريف حمود للحسن بن أحمد بن عبدالله البهكلي، وهو ما صححه المؤرخ غريب بقوله إن اسمه نفح العود في سيرة دولة الشريف حمود للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن أحمد البهكلي وقد طبعته دارة الملك عبدالعزيز عام 1402 بدراسة وتحقيق وتعليق الشيخ محمد بن أحمد العقيلي.

حدود قرية رجال

تُحَدّ من الشرق بجبل المرواح ومن الغرب بجبل الشرقي ومجرى وادي البيح ومن الشمال بجبل فقوة ومن الجنوب بجبل العودة، وتنسب قرية رُجال إلى رجال بن عدي بن الصيق بن عمرو، وهو في الأصل من أسلاف آل سعدان الذين من عقبه آل جعيدة من حفدة الصيق بن عمرو بن عامر.

أساطير قرية رُجال

من أطرف الأساطير المدونة عن تاريخ تأسيس هذه القرية التي أصبحت تراثية اليوم ونشأتها أنها استوطنت بداية القرن الحادي عشر الهجري بإشارة من الخضر بن العباس، وهذا ما ينفيه الباحث في تاريخ القرية «غريب»، إذ يراها قصة موضوعة وليس بينها وبين الحقيقة والواقع أية صلة أو نسب، لكنه يؤكد أنّ شواهد الفعل الحضاري من مبان وطرق وحاميات ومدرجات زراعية وآبار ومقابر مكتظة بساكينها تعدّ دلائل على قدم الاستيطان والاستقرار البشري في هذه البلدة.

قصور القرية التراثية

تعد قصور قرية رُجال شاهداً حياً على حضارة معمارية متقدمة من خلال ما تمثله تلك القصور المتعددة الطوابق التي يصل بعضها إلى 6 أدوار، وهذا لم يكن شائعا في أنماط البناء القديم في منطقة عسير، ويعود ذلك لضيق المكان وانحداره، ما كان سببا في زيادة الأدوار. ومما يذكره الباحث غريب أنّ سكان البلدة إذا اعتزموا بناء قصورهم حشدوا للأمر عدّته واستعانوا بآلاته وحددوا مقالع حجارتهم ومصادر مائهم وطينهم وخشبهم، ورتبوا معايش عمالهم ونومهم وشرابهم ثم جاءوا بعد ذلك بأصحاب الصنائع الحاذقين من بنائين ونجارين، حيث كان أصحاب تلك القصور يعتمدون في بنائها على المقالع الحجرية المتوفرة في الجبال المحيطة بالبلدة التي يطلقون على الواحد منها (منظّى) التي تمّ بناؤها على معطيات البيئة الطبيعية من طين وأحجار وأخشاب ومياه، كما حرصوا على أن تكون جدرانها عريضة تصل أحياناً إلى ما فوق المتر، ولهذا صمدت أمام التغيرات المناخية مئات السنين، وقد روعي في قصور البلدة متانة البناء ودقته وملاءمته لطبيعة المناخ السائد في المنطقة بكل ظروفه وخصائصه، وكانوا يحرصون على تدوين الوقت الذي يتم فيه بناء قصورهم والمبالغ التي أنفقوها على بنيانها كقصري مسمار والرياض، إضافة إلى تدوين الزمن الذي قاموا فيه بترميم مساكنهم وما صرفوه عليها من أموال. ومن قصور البلدة ذات القدم قصر السّباع وقصر معجب وقصر حاكم والدرعية وقصر ألمع وقصر رازح وقصر مشرف الذي سمي نسبة لموقعه الذي يشرف على سوق البلدة وقصورها وأحيائها الغربية والجنوبية، وكذلك قصر معشي والرياض، وبفضل تلك القصور والآثار أضحت قرية رجال ألمع التراثية قاب قوسين أو أدنى من الانضمام للتراث العالمي في اليونسكو.
&

&