أحمد الحناكي&

لعل كثيرا منكم شاهد الفيلم المصري «الشيطان يعظ» لرائعة نجيب محفوظ الكاتب والروائي العملاق، وبعيداً عن مضمون الرواية، فإن المعنى للعنوان عظيم، المقصود به التناقض الكبير عندما تأتي النصيحة من أبعد الناس عن اعتناق معانيها.


أعضاء الكونغرس الأميركي آخر من يتحدث عن الفضيلة والقيم والتاريخ، السياسي الأميركي يشهد بذلك فماذا عما إذا كانوا لا ينصحون فقط، بل يهددون؟! نحن نعرف على المستوى البسيط أن الطبيب المدخن يفقد صدقيته عندما ينصح مرضاه بالكف عن التدخين، أو على الاقل لا يأخذون نصيحته بمحمل الجدية، وهذا ما ينطبق تماما على الاعضاء الموقرين أعلاه، مع الفارق أنهم يصاحبونها بلغة الغطرسة والاستعلاء والبجاحة.

عند استعراض السير الذاتية للأعضاء وكيفية وصولهم ترى العجب العجاب، عن المؤامرات والألاعيب وشراء أصوات الناخبين بشكل غير مباشر، طبعا وبالتالي كيف يستعرض هذا الطاقم علينا ويعطوننا دروسا في الأخلاق وهم بحاجة لها؟! شاهدنا على اليوتيوب المخرج الأميركي الشهير أوليفر ستون وهو يهودي الديانة بالمناسبة إلا أن له نقدا للهيمنة الإعلامية وللوبي اليهودي المسيطر، وله أيضا انتقاد حاد للسياسة الاستعمارية الأميركية. ستون في كلمته القصيرة للصحافيين الشبان طلب منهم ألا يتكيفوا مع ما يفعله السياسيون الأميركان، بل يستمرون بدورهم النقدي الجاد، واستطرد «إنكم تنتقدون ترامب وسياسته والجمهوريين، وتتجاهلون أوباما وكلينتون»، موضحاً أن السياسة الأميركية في الـ30 سنة الأخيرة بحزبيها الرئيسين كانت تعمل على التدخل في شؤون أكثر من 100 بلدٍ حول العالم، زاعمين أنهم يتكلمون باسم «القيم» وهم لا يملكون الحق بذلك، ومسفرا عن ذلك أرقاما مهولة من الضحايا الأبرياء.

ستون من القلة الذين يجابهون سطوة الأحزاب، وله منظور نقدي جاد وحاد تجاههم، وهوليوود بشكل عام فضحت كثيرا من ممارسات الساسة الأميركان ومنهم أعضاء الكونجرس.

من المؤكد أن المسرحية التي تمارس الآن في أميركا من قبل الأعضاء تنضح بالانتهازية والمبالغة ولا تنطلي على أي عقل سليم، ولو كان لدى الأعضاء أدنى حد من القيم المزعومة لبادروا بطلب إغلاق معسكر غوانتانامو الذي وصفته منظمة العفو الدولية بأنه يمثل همجية هذا العصر، وعلى رغم أنع مُلك لكوبا إلا أن الرؤساء الأميركان وأعضاء الكونغرس رفضوا أن يعيدونه لكوبا، مصرين على أن يستمر إيجارهم الرمزي للمركز إلى ما لا نهاية.

ماذا ننتظر من هؤلاء الأعضاء وهم قبل سنتين أقروا «قانون جاستا» الذي لا يشير صراحة إلى السعودية، لكنه سيخوّل بالدرجة الأولى ذوي ضحايا هجمات 2001 من رفع دعاوى بحق السعودية كبلد دعم بشكل مباشر أو غير مباشر المجموعة التي نفذت العملية صبيحة الحادي عشر من سبتمبر مستهدفة أبراج التجارة العالمية في جادة مانهاتن بنيويورك.

نعرف جميعا أن المملكة سحبت الجنسية من ابن لادن ومجموعته التي نفذت الاعتداء وليس لها أي مصلحة في الاعتداء على ضحايا 11 سبتمبر، بل كانت علاقتها تلك الأيام في أوج قوتها مع الإدارة الأميركية، وبالتالي فلا منطق ولا دليل يدينها، ومع ذلك فقد ظهر الأعضاء لتتفتق عبقريتهم عن محاولة إلصاق التهم بالمملكة بأي وسيلة، والهدف معروف طبعاً منها، مزيد من التدخل والهيمنة والابتزاز والضغط بخصوص الأموال السعودية المودعة في أميركا. أعضاء الكونغرس لا يهمهم بكل صراحة ما حدث للمرحوم جمال خاشقجي، فضلاً عن عدم أحقيتهم بالحديث عنه، لأنه ليس أمريكيا وليس مقتله في أرض أميركية، لأن ممارساتهم بدأت منذ وقت طويل وليس في السعودية وحدها (عدا الكيان المحتل لفلسطين فهذ مغفور ما تقدم من ذنبه وما تأخر بالنسبة للساسة الأميركان)، وبالتالي لو لم يوجد مأخذ علينا لاخترعوه.

يهمنا أولا وأخيرا أن نسعى لعدم تكرار ما حدث للزميل جمال خاشقجي، ليس لان أميركا تريد أو لا تريد أو أن اردوغان فرح بها أو استغلها، بل لأنه كان ضد قيمنا نحن وبالتالي فنحن من نحاكم المجرمين وقضائنا من يصدر أحكامه ولا ننتظر من الشيطان أن «يعظ».

&