عبدالله بشارة 

 في كل منتدى نذهب إليه، ثلاثة أسئلة تتواجد في الفناء، وإن لم تكن على جدول الأعمال، هل تنجح الديموقراطية من دون أحزاب، وهل يتحقق النمو الاقتصادي من دون ديموقراطية، وهل تعيش الديموقراطية في حضن الدولة الرعوية؟ هذه أسئلة جوهرية في علاقتها بالنظام العالمي السياسي والاقتصادي.

جاء رئيس وزراء استراليا السابق إلى الكويت في ندوة أقيمت في «الشيراتون»، سألته عن نجاح الصين الاقتصادي من دون ديموقراطية، وفي الدوحة سألت رئيس وزراء سابق لهولندا، عن نجاح الديموقراطية في حضن الدولة الرعوية في هولندا، وتحدثنا كثيراً عن الديموقراطية في الكويت وعن الأحزاب.
لفت نظري طلب بعض النواب تنظيم العمل السياسي بإقرار التجمعات السياسية، اعتماداً على غياب منع الأحزاب وفق الدستور المعتمد، ويمكن أن يتسبّب هذا الطلب في إثارة المجادلات السياسية البرلمانية التي لا نهاية لها في إطار التنافس في التسابق لتحقيق المطالب وفي ترتيب كمائن الاحراج بين هذه التجمّعات البرلمانية.
هناك حقائق لا بد أن ندوّنها عن حساسية هذا المسعى البرلماني، ومن متابعة تجارب الآخرين:

أولاً ـــ تأكيد أهمية دور الأحزاب للوصول إلى السلطة واقتطافها من صندوق الاقتراع وبدء فترة التمكين لممارسة السلطة نحو تنفيذ البرامج التي أوصلت الحزب إلى القيادة، فلا يمكن أن تجري انتخابات في الكويت على هذه القاعدة بمنح الفائز إدارة الدولة، فلن يتحقق ذلك، لأن المناخ الحالي لا يتيح دستورياً ولا شعبيا، وسيقود إلى أزمة قاطعة تهز كيان الدولة في طوفان الفوضى والضياع.
ثانياً ـــ ترتكز الأحزاب على اقتصاد حر من قيود الدول، يتحمل أثقال القطاع الخاص بتكوينات لها ثقل مالي واداري ينبثق من تطور صناعي وتميز مالي وتقدم زراعي وقاعدة تكنولوجية، يحتاج كفاءات بشرية تدير بمؤهلات تنافسية تحول القطاع الخاص إلى كيان خاص مستقل عن خزينة الدولة وله تأثير في المسار السياسي وفي بنية الدولة، وفي دعم مرشحين مناسبين كما نراها في أوروبا وأميركا، ليس فيها تبعية سياسية أو اقتصادية للدولة.
ثالثاً ــــ لا يسمح التشابك الاجتماعي والشرعي بين النظام السياسي الكويتي وبين أبناء المجتمع، بكل طوائفه، بإضعاف الرابطة التاريخية بينهما والتي تولّدت مع بروز الكويت ككيان ضم جميع من تواجد على ترابها وتعاشر مع أمواج تحولاتها، فقوة النظام مستمدة من جذوره العميقة وترابطه الترابي مع المجتمع في ثقة متبادلة تجددت في مؤتمر جدة في المبايعة الكبرى في أكتوبر 1990.
رابعاً ــــ قوة الكويت، كما أكدتها حقائق الغزو وتجاربها مع الجوار العراقي السيّئ أيام البعث والحكم العسكري، تتمركز في وحدتها المستمدة من اطمئنان متوارث في تبادلية المشورة كتقليد في مجتمع منفتح مع قيادته منذ البداية، ولم يتغير نهج المشورة، وإنما اكتمل في صياغة الدستور وبروز البرلمان كصوت معبّر عن مختلف الطوائف، ومع ذلك استمرت تقاليد الأبواب المفتوحة. خامساً ــــ نحتاج وقتا أكبر وتجارب أعمق لترويض الغرائز والدفع نحو التفكير بالعقلانية مع السعي للخروج من الالتزام القبلي والطائفي تجاه عرف بقاء الدولة المدنية المتطورة والمنفتحة على ما يفيد الانسان في بناء المجتمع المزدهر الناضج والمتعانق مع المجتمع العالمي.
سادساً ــــ ننظر إلى تجارب الآخرين، ونبدأ بالعرب البرلمانيين في مصر والعراق وسوريا مثلاً، فقد كانت أحزاب ودساتير تتعايش مع من يفوز ليس بالصبر والحكمة والاعتراف بحق الفوز، وإنما بالضيق والتشنيع، كل ذلك من النخب الصغيرة التي تمارس السياسة ــــ طبقة التجار في سوريا والباشوات في مصر ــــ في حين الأغلبية الكاسحة خارج ذلك الاطار التجميلي الذي وصل من تجارب أوروبية مستوى وعي شعوبها يحقق المشاركة الجماعية، على غير ما كان يحدث في الدول العربية المعتقة.

وكانت الانقلابات العسكرية التي انفجرت من شعور الضباط بأنهم أقرب إلى طموحات الشعب، فجاءوا بالاستبداد والكوارث.
سابعاً ــــ تزدهر الديموقراطية بالوعي الجماعي الذي يتفاعل بدوره في المشاركة السياسية ليس بالانتخابات فقط، وإنما في المحاسبة والمتابعة والنقد والمعارضة، لكن ذلك لا يكتمل من دون شروط، أولها حرية الصحافة، وانطلاق المنظمات ذات النفع العام، وتنامي دور النقابات والأندية الفكرية ومؤسسات التعليم، مع انضباط جماعي يتبنّى حق المعارضين ويدافع عن التجربة ويضع الحق الديموقراطي كوصفة علاج تنموي ونهضوي.
لم يحدث ذلك في تلك المجتمعات العربية، وسقطت عروش بسهولة، وبعدم مبالاة من شعوبها، لأن تجاربها عجزت عن التعبئة الجماهيرية الجماعية.
ونتوصل إلى واقع الكويت صاحب الخصوصية في مسايرة حق التطور السلس في رفع النوعية الديموقراطية وفق قدرة الوطن على هضم المستجدات، ووفق قناعات جماعية تحتضن التحول الدستوري من دون أذى لهياكل الدولة..

قرأت مذكرات الملك فاروق، كان قرفاناً من السياسيين، وكان السياسيون قرفانين من الملك، وكان العسكر قرفانين من الملك ومن السياسيين، والشعب الكاسح قرفانا من الجميع، هكذا كانت ديموقراطية الدول العربية المعتقة.. نحن مع التطور على قناعة بالحكمة الكويتية المتدرجة نحو الكمال..