عبدالله بن بخيت
يكتب الله على إنسان أن يقضي في السجن ثلاثين سنة بين أعتى المجرمين. عندما يطلق سراحه ويمضي في دروب الحرية تبدأ عاطفة التعاطف والحنين تشتغل في قلبه. ينسى جرائمهم ويتذكر إنسانيتهم. لن ينسى ذلك اليوم الذي انتصر له النزلاء عندما ضربه السجان ويتذكر الليالي التي كانوا يتضاحكون ويتسامرون ويتبادلون القصص كأطفال. يتذكر عندما بكى أحد الزملاء بعد أن بلغه أن طفله الذي لم يره أبداً مات. كيف انعصرت قلوبهم جميعاً من الألم عندما اقتيد أحدهم لينفذ فيه حكم الإعدام. ولا ينسى المجازفة التي ارتكبها أحد الزملاء ومرر له سيجارة عندما كان في الانفرادي.
كانت ساعاته الأخيرة في السجن رغم سعادته مملوءة بالشجن والألم على فراق بشر عاش معهم ثلاثين سنة. تقاسم معهم الأحزان والأفراح.
الإنسان يتألم عند وداع الرفاق حتى وإن كانوا أحط أنواع البشر، حتى وإن كان المكان سجناً. ثمة عاطفة اسمها الحنين. العاطفة الإنسانية التي تعيد إنتاج الماضي وتجعله جميلاً. العاطفة التي تنتصر لروح التسامح في قلوبنا على ما تلقيناه من إساءة من رفاق لن نراهم أبداً. نتذكر طفولتنا أيام الدراسة بشغف العودة. ليس لأنها كانت كلها جميلة ولكنه الماضي الذي تعيد عاطفة الحنين تصنيعه.
ما تجرأ خالص جلبي على قوله لا يمكن تفسيره بالكراهية أو الحقد أو التجربة المريرة. عواطف كهذه لا يمكن اضطهادها بالإخفاء ثلاثين سنة. لا توجد جماعة تستطيع أن تكرههم ثلاثين سنة متواصلة وتعيش معهم. ولن يوجد بشر تعيش معهم لا تشعر تجاه عدد منهم بالود والامتنان. هذا إذا كنت سوياً.
يشكل السيكوباثيون 20 % من نزلاء السجون في الولايات المتحدة وربما النسبة نفسها في سجون العالم ويشكل السيكوباثيون غير المجرمين 1 % من السكان مندسين في المجتمعات الإنسانية. على قلتهم في الحالتين إلا أن الدمار الذي يسببونه في مجتمعاتهم كارثي.
من أهم سمات الشخصية السيكوباثية افتقارها للتعاطف. لا يترك البشر الذين يعيش بينهم أثراً على روحه وقلبه مهما كانت علاقته بهم. تتمركز علاقاته حول نفسه. إذا دفعته الخيارات الصعبة أن يقتل طفلاً من أجل مصلحة مهما تدنت وضمن النجاة سوف يفعل بلا تردد. العطف الإنساني ليس واحداً من خيارته. عندما يكون مجرماً يكون أخطر المجرمين. إذا لم يكن مجرماً يصبح متملقاً ومنافقاً وأكثر الناس رغبة في الإساءة لمن أحبوه. يمتلك القدرة على إخفاء شخصيته المعتلة. يجيد تمثيل دور إنسان مثقف وعاقل كما أن له القدرة على التأثير على الآخرين بعذب الكلام. لا يفرق بين من يكرههم ومن يحبهم لأن العاطفتين أصلاً غير متوفرتين في وجدانه.
لن يكون خالص جلبي السيكوباثي الوحيد الذي انطقه الزمان علته. قد يكون زميلك أو جارك أو حتى واحداً من أسرتك..
هذا رابط لفيلم وثائقي مفيد عن الاعتلال النفسي المعروف بسيكوباثي (Psychopaths)
https://youtu.be/60vK6Uw9sSE
التعليقات