سمير عطا الله
من موقع المسؤولية، أو الرؤية، تدخل وزير الإعلام اللبناني السابق رمزي جريج في مسألة أزمة الصحافة الورقية، وتقدم بخطة دعم لمبيعات النسخ اليومية لا تكلف الدولة أكثر من 8 ملايين دولار في العام. وخَلَفَه في المنصب الوزير ملحم رياشي فأقر الخطة، لكنها لا تزال في الأدراج.
هل من سبب؟ في اعتقادي أن الدولة العربية تشعر في داخلها بالشماتة، ولا يهمها أبداً أن تذهب الصحافة أو تبقى. في مصر وسوريا والعراق وليبيا، كانت أولى الخطى «الثورية» إغلاق الصحف واستبدالها بجرائد تشجّع على عدم القراءة. ودخل مصطفى أمين مكتبه يوماً فوجد مكانه ضابطاً، فسأله إن كان يسمح له بتدخين آخر سيجارة. فربما كان التدخين يزعجه.
حاولت الدولة اللبنانية في مراحل كثيرة محاربة الصحافة من دون جدوى. وكانت «النهار» كلما عارضت، ارتفعت مبيعاتها إلى أرقام خيالية، وأحياناً إلى عدة طبعات في اليوم الواحد. والصحف التي لم تعرف الرواج أو الازدهار، هي التي اشتبه الناس أنها صحف «حكومية» أو حزبية خالية من المهارة المهنية.
الآن الصحف واقعة في الأزمة العالمية واستمرارها صعب. وسوف يكون أكثر صعوبة إذا اشترت الدولة ولاءها وصمتها وروح المبادرة والإبداع. لكن أيضاً إذا لم تتدخل الدولة نهائياً، فقد تصل المهنة التي صنعت مكانة لبنان، إلى خواتيم سيئة. سوف يفقد لبنان الكثير من وهجه ومن قوته ومن صوته. والسياسيون الذين يشمتون في داخلهم من معاناة الصحافة، سوف يكتشفون أن أحجامهم قد ذابت من دونها.
لقد فقدت بيروت مكانتها الإعلانية منذ الحرب، وانتقل كل شيء إلى دبي الحديثة والمنفتحة على كل العالم. وليس في لبنان إعلان محلي مثل السعودية أو الكويت أو حتى الأردن، حيث تشكل الإعلانات الخاصة دخلاً رئيسياً. ولم تكن الصحافة في أي بلد مسألة وجودية كما هي بالنسبة إلى لبنان. فقط مصر كانت تنظر إلى هذه الصناعة على أنها جزء من قوتها الناعمة، أو حتى العسكرية. وقد عوضت عن السقوط تحت جفاف الرقابة بأن أصدرت الدولة نفسها جزءاً كبيراً ومتقدماً من النتاج الثقافي والأدبي، كما فعلت الكويت. لكن حتى هذا الجزء المهم من الإثراء الثقافي قد بهت أخيراً وتقلبت عليه الرتابة البيروقراطية.
أعتقد أن جزءاً بسيطاً من الحل واستدراك المحل الثقافي، هو أن ترعى الدولة العربية بقناعة هذا النوع الراقي من النشر. وكان لدى الإغريق «إله» لكل شيء، منهم «إله» القناعة.
التعليقات