فاروق جويدة
إختار الرئيس عبد الفتاح السيسى الدكتور مصطفى مدبولى وزير الإسكان ليتولى مسئولية رئاسة الحكومة بالنيابة فى الفترة التى غاب فيها المهندس شريف إسماعيل للعلاج فى ألمانيا أمام محنة المرض التى عانى منها.. كان هذا هو أول اختبار للدكتور مصطفى مدبولى ثم أسند الرئيس إليه عدداً من المشروعات الضخمة ومنها العاصمة الجديدة والمدن الجديدة فى الأقاليم والساحل الشمالي.. وأخيراً جاء التغيير الوزارى ليصبح مدبولى رئيسا للحكومة ويشكل وزارة جديدة.. لاشك أن هذه المراحل التى عاشها رئيس الوزراء الجديد تمثل أهمية خاصة إننا أمام مسئول عاش أكثر من تجربة وأثبت فيها أنه قادر على تحمل المسئولية فى هذه الظروف الصعبة..
إن تجربة الرجل فى أكثر من موقع تؤكد أنه رجل منشآت من طراز فريد ولديه رؤى كثيرة ابتداء بقضايا العشوائيات وأعبائها وانتهاء بمدينة جديدة هى العاصمة الجديدة بكل منشآتها ومبانيها وهى تجربة فيها الكثير من التحدى خاصة أن د.مدبولى تخصص فى المدن ولديه خبرة كبيرة فى هذا المجال.. هذه سطور قليلة حول مشوار رئيس الوزراء الجديد والخلفيات التى جاء منها والخبرات التى أكتسبها كمسئول فى الدولة.. لا يكفى أن يكون رئيس الحكومة خبيراً فى المدن أو المنشآت ولكن مطلوب منه أن يحيط نفسه بمجموعة كبيرة من خبرات مختلفة تقوم عليها رؤى متكاملة ومتجانسة حول سياسة الدولة وأهدافها فى كل المجالات..
هناك مناطق لم تأخذ حظها من النجاح والنتائج أمام مناطق أخرى حققت إنجازات كبيرة .. إن الشواهد تقول إن الكهرباء حققت طفرة غير مسبوقة فى توفير احتياجات مصر من الطاقة .. وأن الطرق فى سنوات قليلة قد وصلت إلى نتائج مبهرة وأن الإسكان والمدن الجديدة ومساكن الشباب والعشوائيات قد شهدت طفرة كبيرة .. إن المؤكد أن كل هذه الإنجازات أخذت أموالاً كثيرة وبقى هناك جانب من أهم وأخطر جوانب التنمية وهى الموارد .. مازالت موارد الدولة المصرية تسير فى نطاق محدود للغاية حيث تقوم على حصيلة الضرائب والجمارك وقناة السويس وبعض الموارد الأخرى .. وبقيت المصادر الأساسية فى موارد الدولة بلا دعم حقيقى ..
< كانت الزراعة المصرية فى يوم من الأيام من أهم مصادر الدخل إنتاجاً وتصديراً وتوفيراً لاحتياجات الشعب من الموارد والمحاصيل الزراعية .. لا يستطيع أحد الآن أن يضع الزراعة فى مقدمة الإنتاج فى مصر فمازلنا نستورد معظم احتياجاتنا من القمح وأصبح القطن سلعة مصر التاريخية يمثل مأساة حقيقية فى المساحة والإنتاج والنوعية وفى السنوات الأخيرة تراجع محصول الأرز وأصبحنا مستوردين بعد أن كان الأرز المصرى يتمتع بسمعة دولية كبيرة .. ودخل فى هذه السلسلة من المحاصيل الثوم والبصل والخضراوات حتى إننا الآن نستورد الثوم الصينى والقطن الهندى والأرز من كل البلاد والخلاصة أن مصر الزراعة قد سقطت تماما من أولويات سياسة الدولة وأصبحت قضية الزراعة تنحصر فى مساحات الأراضى الضخمة التى تحولت إلى مبانى ومنشآت وأصبحت تجارة الأراضي أهم من زراعتها وإنتاجها..
< السؤال كيف تستعيد الزراعة المصرية مكانتها إنتاجاً واكتفاء وتصديراً إن سقوط القطن المصرى عن عرشه جعل دولا كثيرة تزرع القطن وتنافس به فى الأسواق العالمية وأصبحت مصر أكبر مستورد للقمح فى العالم ودخل الأرز قائمة الممنوعات.. والمطلوب من الحكومة الجديدة أن تعيد للزراعة المصرية أهميتها فى موارد الدولة بعد أن تراجعت ولم يعد لها دور يذكر وهذا يتطلب سياسة زراعية جديدة فى الإنتاج واختيار المحاصيل ونظم الرى والبحث عن أسواق جديدة للصادرات الزراعية المصرية بعد أن خرجت جميع منتجاتنا من الأسواق العالمية أمام الإهمال وسوء الإنتاج..
< فى يوم من الأيام كانت مصر تحسب من الدول الصناعية فى العالم وهناك صناعات بدأت من عهد محمد على وتطورت فى عهد إسماعيل وفى أربعينيات القرن الماضى ظهر طلعت حرب وقاد مسيرة صناعية ضخمة شملت مجالات كثيرة فى مقدمتها صناعة الغزل والنسيج والسكر والأسمنت والسلع الغذائية وكانت ثورة يوليو وراء صناعات جديدة فى إنتاج الحديد والسلع الصناعية التى وصلت لأن تكون بندا فى قائمة الصادرات المصرية .. للأسف الشديد توقف إنتاج مصر الصناعى فترة طويلة حتى تخلصت الدولة من كل الصناعات وباعتها لتتحول إلى مبان وعقارات وكانت هناك صناعات إستراتيجية فرطت فيها الدولة ومنها صناعة السيارات والغزل والنسيج والمحالج والصناعات الغذائية والنحاس والغريب أن الدولة باعت هذه الصناعات ولم تستبدلها بصناعات أحدث وفى الوقت الذى شجعت فيه أعمال السمسرة والاستيراد لم تشارك الدول الأجنبية فى تشجيع الإنتاج الصناعى فى مصر, لقد طغت السلع الاستهلاكية على كل مجالات الصناعة المصرية ..والأغرب من ذلك أن مئات الملايين التى توجهت إلى تجارة الأراضى والعقارات لم تتجه إلى الإنتاج الصناعى وأغلقت المصانع الصغيرة أبوابها أمام نقص التمويل والمواد الأساسية والتصدير وكانت هذه أكبر خسارة للاقتصاد المصري..
إن المطلوب من الحكومة الجديدة أن تفتح صفحة جديدة مع الإنتاج الصناعى لأن الاقتصاد الحقيقى يقوم على الصناعة ولن يقوم على تجارة الأراضى والعقارات وهى أكبر مجالات الاستثمار فى مصر الآن .. هناك صناعات جديدة يمكن أن تفتح آفاقا للإنتاج فى مصر ومنها الاتصالات والإعلام والإنتاج الفنى والصحفى والخدمات وللأسف الشديد إننا نستورد الآن كل شىء ابتداء بلعب الأطفال وفوانيس رمضان والسبح والسجاجيد وانتهاء بقطارات وعربات السكة الحديد رغم إننا فى يوم من الأيام كنا ننتج هذه الأشياء ونصدرها للخارج وكانت الملابس والسلع الاستهلاكية والغذائية فى مقدمة صادراتنا .. لابد أن تعود الصناعة إلى قائمة الموارد المصرية لأنها صاحبة الدور الأكبر فى تشغيل العمالة وتشجيع الصادرات وتوفير السلع وتخفيض فاتورة الاستيراد وتوفير العملة الصعبة .. لنا فى الصناعة تجارب كثيرة حتى من أيام قدماء المصريين..
< مازلت أعتقد أن السياحة لم تأخذ حقها من الاهتمام والترويج ولم تصبح مورداً أساسياً حتى الآن من موارد الدولة المصرية, إن السياحة من حيث عدد السياح لا تتناسب مع أهمية مصر فى سوق السياحة العالمية ومن حيث الموارد مازالت محدودة للغاية حدث هذا بالرغم من أن مصر تملك سياحة التاريخ ولدينا ثلث آثار العالم ونملك سياحة الشواطئ ولدينا أجمل بحار الدنيا ونملك تراثاً فكرياً وحضارياً غاية فى الثراء ولدينا السياحة الدينية فى الكثير من الأماكن التى تتمتع بقيمة دينية وعقائدية تشمل كل الأديان..
بقيت السياحة عندنا لا تتجاوز وفودا سياحية تجىء وتمضى ولكن خطط الدولة توقفت عند شرم الشيخ والغردقة والأقصر وانتظار السياح الروس أو دول أوروبا ونتوسل إليهم أن يزوروا بلادنا ولا أحد يجىء .. لقد انحصرت كل الجهود فى وفود رسمية تسافر فى أسواق السياحة ومهرجاناتها ولا تحقق شيئاً..
إن المطلوب أن تستغل ثرواتنا السياحية المكونة من ستة ملايين قطعة أثرية وثلاثة آلاف كيلو متر من الشواطئ ونيل يمتد آلاف الكيلومترات ومنشآت ومبان عتيقة قاومت الزمن آلاف السنين .. هذه الثروات لا أحد خطط لها ولا حكومة وضعت لها أولوية فى حين أن بلاداً صغيرة لا تملك من التاريخ شيئا تحولت إلى مدن سياحية كبرى تجذب الملايين من سكان العالم..
< كل البشائر تقول إن لنا مستقبلا كبيراً مع البترول حتى لو جاء متأخراً إلا أنه مازال مصدر الطاقة الذى لا بديل له فى المستقبل القريب .. إن اكتشافات الغاز فى البحر المتوسط والصحراء الغربية والبحر الأحمر تؤكد أن مصر فى السنوات المقبلة ستكون مصدرة للبترول والعالم سوف يحتاجه لسنوات مقبلة قد تطول .. إن لدينا الآن احتمالات كبيرة ولدينا صناعة متقدمة للبترول ولدينا خبرات كبيرة على المستوى العالمى بجانب عمليات التكرير وتسييل الغاز وغيرها من الصناعات, وهذا يعنى أن مستقبل البترول فى مصر يمكن أن يجعل منها دولة مصدرة للغاز والبترول..
< هذه المجالات الأربع الزراعة وهى تراث مصرى قديم, والصناعة ولنا معها إنجازات كبيرة والسياحة وهى أهم مصادر الدخل والبترول وهو كنز الحضارة المعاصرة .. إن كل مجال من هذه المجالات يمكن أن يصبح مورداً من أهم موارد الميزانية المصرية وبدلا من أن ندور فى تجارة الأراضى والعقارات أو تحويل الأراضى الزراعية إلى بيوت أو فرض ضرائب على المواطنين .. إن هذه الموارد سوف تبقى دائما محدودة الدخل والإمكانات ولن تكون وسيلة للانطلاق وبناء دولة حديثة على أسس سليمة تحقق الأمن والرخاء لمواطنيها..
بكل الصراحة أقول فرطنا فى الزراعة المصرية العريقة وأصبحنا نستورد كل طعامنا وفرطنا فى صناعات كانت تحقق دخلا وإنتاجا ورخاء.. وفرطنا فى السياحة ونحن أقدم دولة فى التاريخ وأمامنا فرصة تأجلت لأسباب غامضة وهى اكتشاف الغاز والبترول .. رجاء لرئيس الحكومة الجديد د.مصطفى مدبولى أن يضع هذه القضايا فى أولويات حكومته.. أن نجد طعامنا فى أرضنا .. أن نعيد أمجاد الصناعة المصرية .. أن تكون السياحة أهم مواردنا .. أن نكتشف فى بلادنا وتحت أقدامنا ما يحقق لنا الأمن والرخاء.. كل سنة وأنتم طيبين وعيد سعيد.
التعليقات