&نايف معلا&&

عندما يقدِّم شخصٌ نفسه بأنه مدافع عن حقوق الإنسان فينبغي قبل ذلك أن يكون لديه الحد الأدنى من المعرفة بـ«ماهية» حقوق الإنسان ومعاييرها وثقافتها، وحدود التزامات الدول التي غالباً ما يتم رسمها بناءً على القيم الدينية والثقافية والمعبّر عنها في دساتيرها وقوانينها وأعرافها، وبالقدر ذاته من الأهمية ينبغي أن يدرك مبادئ الدفاع عن حقوق الإنسان ويلتزم بها، أما أن يجهل أبجديات حقوق الإنسان أو لا يتقيّد بمبادئ الدفاع عنها، فإن حقوق الإنسان حينها تحتاج إلى من يدافع عنها من ذلك الشخص!

ما أكثر أولئك الذين يزعمون بأنهم مدافعون عن حقوق الإنسان أو ناشطون في مجالها، ولكن سرعان ما ينكشف جهلهم بمعاييرها، ومحدودية ثقافتها لديهم، أو عدم موضوعيتهم في المطالبة بها أو الدفاع عنها، إما بتسييسها أو أدلجتها (أي جعلها ذريعة لتنفيذ أجندات سياسية أو آيديولوجية)، ولذلك كثيراً ما نجد من يطالب بحقٍّ من حقوق الإنسان وهو ينتهك حقاً آخر في الوقت ذاته، كمن ينتهك في سياق مطالبته حقوق الآخرين وسمعتهم، أو من يمارس شكلاً من أشكال التمييز العنصري.

عندما يحدث مثل هذا السلوك، فإن التزام الدولة المعنية عندئذٍ لا يقف عند الوفاء بالحق الذي يطالب به ذلك الشخص على افتراض صحته، وإنما يتجاوز ذلك إلى وجوب ملاحقته قضائياً ومحاسبته. وهذا تطبيق عملي لمبدأ تكاملية حقوق الإنسان وتشابكها وعدم قابليتها للتجزئة، المعبر عنه في إعلان وبرنامج عمل فيينا 1993م، أما أن يُعتبر كل دفاعٍ عن حقوق الإنسان صحيحاً بصرف النظر عن طريقته وأسلوبه وإن كان يمثل مخالفة أو جريمة، فهذا أمرٌ غير مقبول إطلاقاً، حتى في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان.

هذا التوجه الخطر المتمثل في منح المدافعين عن حقوق الإنسان تزكية مطلقة، وحصانة منيعة، شجّع ولا يزال يشجع على تسييس وأدلجة حقوق الإنسان من قبل أشخاصٍ لا تهمهم حقوق الإنسان بقدر ما يهمهم تحقيق أهداف سياسية أو آيديولوجية، وقد وُجِدت بعض الدول والمنظمات الضالعة في تسييس حقوق الإنسان، من بين أولئك من استطاعت أن تجنده لتحقيق مآربها، وعندما يكتشف أمره وتتم ملاحقته قضائياً، تخرج تلك الدول والمنظمات أو غيرها ممن يشاطرنها التوجه بتصريحات تندد فيها بهذا المسلك، بزعمها أنه مدافع عن حقوق الإنسان ولا ينبغي التعرّض له!

كثيراً ما تلقّى العالم صدمات من أشخاص كانوا في الظاهر مناضلين عن حقوق الإنسان، بل ومنحت لهم جوائز مرموقة، وعندما انتقلوا من حيّز المُطالبِين بحقوق الإنسان إلى حيّز المُطَالَبَين بها سقط الإنسان الذي يرتدونه وظهر الوحش الكامن في نفوسهم! ولسنا ببعيد عن قصة السيدة أونغ سان سو تشي، التي تسلّمت جائزة نوبل عام 1991م لقاء نضالها المزعوم، وعندما أصبحت رئيسةً لوزراء ماينمار، اُرتكبت على مرأى منها ومسمع أكثر من أي وقت مضى، جرائم الإبادة الجماعية (Genocide Crimes) والترحيل القسري (Forced deportation) والتمييز العنصري (Racial Discrimination) وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الصارخة ضد أقلية الروهنغيا، ما دفع ببعض المنظمات إلى المطالبة بسحب جائزة نوبل منها.

خلاصة القول، الدفاع عن حقوق الإنسان سلوكٌ نبيل، وينبغي أن لا يخالطه ما يعكّر صفاءه ويخرجه من سياقه الموضوعي والمهني، أما أن يكون وسيلة لتحقيق أهداف تتجاوز حقوق الإنسان، سواء أكانت سياسية أم آيديولوجية أم لتحقيق مصالح شخصية غير مشروعة، فهذا ليس دفاعاً عن حقوق الإنسان بل انتهاك لها.

&