دعا خبراء اقتصاد مجلس التعاون الخليجي لإعادة النظر في أنظمتها الاقتصادية بما يتفق والتحديات المعاصرة، وطالبوا بالتركيز على التداعيات المستقبلية لجائحة كورونا، وهبوط أسعار النفط وسبل مواجهتها من خلال بناء اقتصاديات متطورة أكثر تنافسية.

الظروف الحالية تفرض على دول الخليج المضي قدمًا في إصلاحات عدة عبر ترشيد الإنفاق وتنوع مصادر الدخل، وأن المضي عكس ذلك أو التراخي عن هذه الإصلاحات سيفاقم التحديات، وسيكون ذلك على حساب الرفاه الاجتماعي.

يرى المستشار في المعهد العربي للتخطيط بالكويت، بلقاسم العباس، أن تبعات كورونا على اقتصاديات الدول العربية ستكون كبيرة، لاسيما الدول الفقيرة والأقل نموًا، فيما ستواجه الدول النفطية تحديات مختلفة. وأفاد أن التوقعات الاقتصادية تشير إلى أن هذه الدول ستشهد ارتفاعًا في البطالة بين 3 إلى 4 بالمائة، وانخفاضًا كبيرًا في الإيرادات بسبب الإغلاقات الاقتصادية، وتراجعًا كبيرًا في القطاع السياحي. كما توقع أن تواجه بعضها مشاكل في سلسلة التوريد، ما يؤثر على المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية.

نشر موقع «ستراتفور» الأمريكي تحليلاً لطريقة تعامل دول الخليج مع الأزمة المالية الناجمة عن جائحة كورونا، وكيف سعت إلى تقديم حزم شبيهة بتلك التي تقدمها الدول الغربية، بيد أن التحليل يخلص إلى أن الأزمة الحالية ستعطل خطط تنوع الاقتصاد في هذه الدول، هذا ما نقله موقع (الإمارات 71). وتخيّم على أفق دول الخليج العربية مجموعة تحديات اقتصادية في ظل تعطيل (كوفيد 19) مصادر إيراداتها الرئيسة نتيجة خفض أسعار الطاقة بالإضافة إلى خفض الطلب العالمي الإجمالي، وينذر الانخفاض الحاد في الدخل الحكومي في جميع أنحاء المنطق بزيادة العجز في الميزانية وطلب قروض كبيرة في الأشهر المقبلة، ما يخلق ديونًا ستعقد الإنفاق والاستثمار على مدار سنوات قادمة.

يضيف التحليل، تشترك دول الخليج في موجة تشابه هيكلية، ولكنها تختلف اختلافًا كبيرًا في مستويات ثروتها، ومن ثم ضعفها أمام الصدمات الاقتصادية العالمية مثل تلك التي تسببها جائحة كورونا، وينكمش إنتاج النفط انكماشًا كبيرًا هذا العام، ولكن أكثر الدول الخليجية الغنية بالطاقة والنقد، سيكون لديها أكبر مصدات وقاية ضد الدمار المالي السريع.

حتى لا تؤدي الخسارة في الإيرادات النفطية وغير النفطية إلى سحق اقتصاداتها، قدمت دول مجلس التعاون الخليجي كلها – وهو ما أشار إليه التحليل – حزم تحفيز أولية مماثلة، فأجلت الضرائب والرسوم للشركات الصغيرة والمتوسطة في جميع المجالات، وقدمت دعمًا لرواتب مواطني دول المجلس، وضخت سيولة في القطاع المالي.

ومع تأثر التدفق النقدي بالأزمة، فإن التحليل يرى أن أغنى دول مجلس التعاون الخليجي (باستثناء الكويت التي غالبًا ما تطبق سياستها المالية الفريدة والمستقلة)، سوف تتجه إلى أسواق الديون الدولية والإقليمية للمساعدة في تمويل حزم التحفيز الخاصة بها، ويتوقع (ستراتفور) أن تعطل الخسارة الحادة في عائدات النفط والغاز خطط دول الخليج حتى ولو كانت تبرهن في الوقت ذاته على الحاجة لتوسيع اقتصاداتها التي ترتكز على الطاقة، وللحفاظ على الاستقرار الاجتماعي في خضم أزمة صحية واقتصادية، ستتجنب هذه الدول أي نوع من التقشف لأطول مدة ممكنة، لكن الأزمة المالية المستمرة في أعقاب (كوفيد 19) ستحتم فرض ضرائب ورسوم، فضلاً عن تقليص الإعانات والدعم السخي من الدولة.

يستدرك التحليل: غير أن هناك بعض الجوانب الإيجابية وسط الضغوط التي يولدها (كوفيد 19)، إذ ستسمح البيئة العالمية الحالية المصابة بالكساد بفعل الجائحة، بعض الفرص الاستثمارية لدى دول الخليج الأكثر ثراءً والتي ما تزال لديها أموالاً نقدية، السعودية على سبيل المثال، تستثمر بالفعل في الأصول المتعثرة، ولم تتخلَ بعد عن خططها الاستثمارية الاكبر.

لكن التركيز الرئيسي على المدى القريب لدول مجلس التعاون الخليجي سيظل هو البقاء على قيد الحياة سياسيًا واقتصاديًا، وأن دفع هذه الدول لزيادة الإنفاق من أجل تمويل التحفيز لن يؤدي إلا إلى تسريع عبء الإصلاح الاقتصادي في المنطقة، وسيطرح أسئلة حول الحاجة إلى الإصلاح الكامل لطريقة هيكلية هذه الاقتصادات على المدى الطويل بما في ذلك القضايا الحساسة المتعلقة بالقوى العاملة، مثل البطالة وإصلاح المعاشات وكذلك سياسة الهجرة والتأشيرات.

يتوقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع النمو الاقتصادي لمصدري النفط في الشرق الأوسط إلى 4.7% في عام 2021، على الرغم من أن هذا يعتمد على نظرة متفائلة لمسار الفيروس، وحدوث انتعاش في الاقتصاد العالمي واستقرار اسعار النفط.

يختم التحليل بالقول: «بغض النظر عما سيحدث، سيؤثر انخفاض الطلب على النفط ومعدلات السياحة تأثيرًا كبيرًا في دول الخليج لسنوات قادمة نتيجة ضعفها المتأصل؛ نظرًا إلى وجودها في مهب تقلبات النفط والغاز، ونتيجة لذلك قد تكون من بين آخر الاقتصادات الكبيرة التي تتعافى بالكامل من الأزمة».

ومع ذلك ثمة آراء اقتصادية تدعو إلى التفاؤل رغم خطورة الوضع الاقتصادي العالمي لأن اقتصادات دول الخليج لن تنهار، وذلك لأسباب كثيرة أهمها بناء مراكز مالية قوية كما تم في السنوات الماضية والقيام بإصلاحات مالية مهمة.

هذا ما أشار إليه الاقتصادي محمد العسومي في الاتحاد الإماراتية تحت عنوان «اطمئنوا اقتصاداتنا لن تنهار».

ورغم أهمية ذلك، لابد من إعادة النظر في الكثير من الإجراءات والقضايا المتعلقة بإصلاح سوق العمل، تشير الإحصاءات إلى أن في دول الخليج عمالة سائبة تقدر ما بين 2-3 ملايين عامل.

وإضافة إلى ذلك وهو الأهم، تحقيق التنوع في مصادر الدخل، ومكافحة الفساد المالي المتفشي في مفاصل الدولة، وحماية المال العام من الهدر، وتفعيل الاختصاصات التشريعية الرقابية، والاهتمام بالعمالة الوطنية توظيفًا وتدريبًا ورعاية وحماية، وإيجاد معالجات حقيقية لمشكلة البطالة، وتعثر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

وللحد من التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا، من المهم هنا أن نشير إلى تصريحات وزير المالية السعودي محمد الجدعان الذي قال في مقابلة أجرتها معه قناة «العربية»: إن بلاده ستتخذ إجراءات صارمة، وإن هذه الإجراءات قد تكون مؤلمة، من بينها خفض مصروفات الميزانية، والحد من النفقات، وعدد من الإجراءات التقشفية؛ وهو ما تمثل في وقف صرف بدل غلاء المعيشة، ورفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5 إلى 15% دون المساس بوظائف المواطنين.